30- عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في حديثه عن عروة: ثم كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود، على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكانت منازلهم ونخلهم بناحية من المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة - يعني السلاح - فأنزل الله فيهم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأوَّلِ الْحَشْرِ} 1 فقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشام، فكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسباء، وأما قوله: {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} فكان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام2.
__________
1 سورة الحشر، الآيات الأولى.
2 مصنف عبد الرزاق 5/ 357- 358 رقم (9732) ، وهو مرسل صحيح إلى عروة.
وقد أخرج البخاري تاريخ الغزوة تعليقاً عن الزهري فقال: "قال الزهري عن عروة: كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أحد" صحيح البخاري مع الفتح 7/ 329، باب: (حديث بني النضير) .
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح 7/ 330 في شرحه للغزوة تحت رقم (4082) قال: "وصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أتم من هذا، ثم ذكر لفظ عبد الرزاق"، وقال أيضاً: "وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في حديثه عن عروة قال: "كانت وقعة أحد على رأس ستة أشهر من وقعة بني النضير، المصنف" 5/ 363.
31- وقال الحاكم: أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي1 الصنعاني بمكة، ثنا علي بن المبارك الصنعاني2، ثنا زيد بن المبارك الصنعاني3، ثنا محمد بن ثور4، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من
__________
1 لم أجد له ترجمة.
2 هو علي بن محمد بن عبد الله بن المبارك الصنعاني، لم أجد له ترجمة في كتب الرجال.
3 زيد بن المبارك الصنعاني، سكن الرملة، صدوق عابد، من العاشرة، د، التقريب 224 رقم (2155) .
4 محمد بن ثور الصنعاني، أبو عبد الله العابد، ثقة من التاسعة، مات سنة تسعين تقريباً، د س، التقريب 471 رقم (5775) .
الأمتعة والأموال إلا الحلقة - يعني: السلاح -، فأنزل الله فيهم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} إلى قوله: {لأوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا} 1، فقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم ذلك ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي، وأما قوله لأول الحشر فكان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام2.
32- وقال أبو عبيد3: وحدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن
__________
1 سورة الحشر الآيات الأولى.
2 مستدرك الحاكم 2/ 482، ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد وافقه الذهبي في التلخيص، ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 178، ثم قال: وذكر عائشة فيه غير محفوظ، والله أعلم. أ. هـ. وهو كما قال، لأن رواية عبد الرزاق لم تذكر عائشة ولفظ رواية عبد الرزاق كرواية الحاكم.
وقد حكم عليه الألباني بالصحة، انظر حاشية فقه السيرة للغزالي (ص: 303) .
وقال الدكتور أكرم العمري بعد أن ذكر هذه الرواية في كتابه السيرة الصحيحة 1/ 305: فرغم أن البيهقي قال: إن ذكر عائشة غير محفوظ، ولكن الذهبي صححها! ويبدو لي أنها من قبيل زيادة الثقة المقبولة، ولم يذكر غير البيهقي علة الإرسال فيها.
3 هو القاسم بن سلاّم - بالتشديد - البغدادي أبو عبيد، الإمام المشهور، ثقة فاضل، مصنف، من العاشرة، مات سنة أربع وعشرين، ولم أر له في الكتب حديثاً مسنداً، بل من أقواله في شرح الغريب، حت د ت، التقريب 450 رقم (4562) .
سعد عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب "أن وقيعة بني النضير من اليهود كانت على رأس ستة أشهر من وقيعة بدر، وكان منزلهم ونخلهم ناحية من المدينة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء"1.
__________
1 الأموال لأبي عبيد ص 14 رقم (19) ، وهذه الرواية وإن كان فيها بعض الضعف من أجل عبد الله بن صالح وكونها مرسلة أيضاً لكن لها شواهد تقدمت، منها ما هو متصل كرواية عبد الرزاق، ومنها ما هو مرسل كرواية عروة عند عبد الرزاق في المصنف 5/ 357- 358، و5/ 363، وكلها تدل على أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وقبل أحد وليست بعد حادثة بئر معونة كما ذكر ابن إسحاق مستدلاً على ذلك بالسبب الذي ذكره في إجلاء بني النضير وهو خروجه صلى الله عليه وسلم إليهم يستعينهم في دية الكلابيين، وأن ذلك كان بعد بئر معونة أي في السنة الرابعة، وقد تابع ابن إسحاق في كون غزوة بني النضير في السنة الرابعة بعد بئر معونة بعض أصحاب المغازي كالواقدي في المغازي 1/ 363، وابن سعد في الطبقات 2/ 57، وقال بذلك موسى بن عقبة كما عند البيهقي في الدلائل 3/ 179- 180، ورواية ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة كما عند البيهقي في الدلائل 3/ 180، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 339.
أما ابن القيم فقد جزم بأنها كانت بعد أحد، وأن التي بعد بدر بستة أشهر هي غزوة بني قينقاع، قال رحمه الله: "وزعم محمد بن شهاب الزهري، أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وهذا وهم منه أو غلط عليه، بل الذي لا شك
__________
فيه أنها كانت بعد أحد والتي بعد بدر بستة أشهر: هي غزوة بني قينقاع ... " زاد المعاد 3/ 249.
وقال ابن كثير: "ذكر البيهقي والبخاري قبله خبر بني النضير قبل وقعة أحد، والصواب إيرادها بعد ذلك، كما ذكر ذلك محمد بن إسحاق وغيره من أئمة المغازي، وبرهانه أن الخمر حرمت ليالي حصار بني النضير، وثبت في الصحيح أنه اصطبح الخمر جماعة ممن قتل يوم أحد شهيداً فدل على أن الخمر كانت إذ ذاك حلالاً، وإنما حرمت بعد ذلك فتبين ما قلناه من أن قصة بني النضير بعد وقعة أحد والله أعلم". أ. هـ. البداية والنهاية 4/9.
والذي يظهر لي - والله أعلم - أن غزوة بني النضير كانت قبل أحد وبعد بدر بستة أشهر كما قال الزهري وذلك لقوة الروايات التي وردت عن الزهري في ذلك، وقد تقدم أن منها الثابت المتصل والمرسل، أما ما ذكره ابن إسحاق من أنها كانت بعد بئر معونة أي في السنة الرابعة، فإن مستنده في ذلك تلك الرواية التي حدثه بها يزيد بن رومان وهو من صغار التابعين فهي لا ترقى إلى معارضة ما ذكره الزهري، وفي هذه الحالة يتعين الأخذ بقول الزهري، أما ما ذكره ابن كثير من أن الخمر حرمت ليالي بني النضير، وهو دليل على تأخرها عن أحد لكون بعض من شهد أحداً من الصحابة قد شربها صباح ذلك اليوم، فإنه لا يسلَّم بذلك لعدم ورود دليل صحيح يدل على ذلك، بل قد ذكر المفسرون أن الخمر قد حرمت بعد أحد، ولم يحددوها بليالي بني النضير، وقيل بعد الأحزاب، حيث أخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: نزل تحريم الخمر في سورة المائدة بعد غزوة الأحزاب، وغزوة الأحزاب كانت سنة خمس على الصحيح؛ وأخرج ابن مردويه عن وهب بن كيسان قال: قلت لجابر: متى حرمت الخمر؟ قال: بعد أحد. انظر: فتح القدير للإمام الشوكاني 2/75، ورواية جابر لم تحددها بليالي بني النضير، فتبقى رواية الزهري هي الراجحة، وهو ما رجحه الإمام البخاري رحمه الله، والله أعلم.
,
33- أخرج البخاري في صحيحه من طريق الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي الله عنه قال: "كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف1 المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ينفق على أهله منها نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع2 عدة في سبيل الله"3.
__________
1 الإيجاف: سرعة السير، وقد أوجف دابته يوجفها إيجافاً إذا حثها، النهاية 5/ 157.
2 الكراع: اسم لجميع الخيل، النهاية 4/ 165.
3 صحيح البخاري مع الفتح 6/ 93 رقم (2904) و8/ 629 رقم (4885) و9/ 501 رقم (5357) بلفظ: (يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم) قال الحافظ: "ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يقسم في فقراء المهاجرين وفي مشترى السلاح والكراع" فتح الباري 6/ 206، وانظر البخاري مع الفتح 9/ 502 رقم (5358) ، ومسلم كتاب الجهاد والسير رقم (1757) ، وأبا داود رقم (2965) ، والترمذي رقم (1719) ، والنسائي 7/ 132، ومسند أحمد 1/ 417، رقم [337] الأرناؤوط، والشافعي في السنن المأثورة (672) ، ومسند الحميدي (22) ، وتاريخ المدينة لعمر بن شبة 1/ 208، وأبا عبيد في الأموال (17) و (26) ، والبلاذري في أنساب الأشراف قسم السيرة 1/ 518 رقم (1043) ، وفتوح البلدان له (ص: 33) ، والبحر الزخار المعروف بمسند البزار رقم (255) ، ومنتقى الجارود كما في الغوث رقم (1097) ، والسنن الكبرى للبيهقي 6/ 345، ودلائل النبوة له 3/ 185.