لما انصرف صلى الله عليه وسلم من حنين وانهزم المشركون عسكر منهم طائفة بأوطاس، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الأشعري عم أبي موسى الأشعري في جماعة فيهم أبو موسى الأشعري. ووقع في الأصل أن أبا عامر ابن عم أبي موسى الأشعري قال في النور وهو غلط، وإنما أبو موسى ابن أخي أبي عامر. فلحقوا بالقوم وتناوشوا القتال: أي تكافؤوا فيه، وبارز أبو عامر تسعة، ويقال إنهم إخوة وهو يقتلهم واحدا بعد واحد، أي وصار كل من برز له منهم يدعوه إلى الإسلام فيأبي فيقول اللهم اشهد ويحمل عليه فيقتله. ثم برز له أخوهم العاشر فقتل أبا عامر، أي فإنه قال له أسلم فأبى، فقال: اللهم اشهد فقال: اللهم لا تشهد وفرش يديه، فظن أبو عامر أنه أسلم فكف عنه، فعاد إلى أبي عامر فقتله ثم أسلم وحسن إسلامه رضي الله عنه، وكان إذا رآه صلى الله عليه وسلم يقول: هذا شريد أبي عامر.
قال: وعن أبي موسى الأشعري قال: جئت لأبي عامر وفيه رمق فقلت: يا عم من رماك؟ فقال: ذاك، وأشار إلى شخص من القوم، فقصدته فلحقته، فلما رآني ولى، فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي ألا تثبت؟ فثبت، فاختلفنا ضربتين فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قد قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم فنزعته، فقال:
يا بن أخي بلغ النبي صلى الله عليه وسلم مني السلام وقل له يستغفر لي، وقال: ادفع فرسي وسلاحي له انتهى، فليتأمل الجمع بين هذا وما قبله.
وقبل أن يموت أبو عامر رضي الله عنه استخلف ابن عمه أبا موسى ودفع الراية له. وفي لفظ: أن أبا عامر رماه واحد فأصاب قلبه، ورماه آخر فأصاب ركبته فقاتلاه، وولى الناس أبا موسى فحمل عليهما فقتلهما: أي وفتح الله عليهم، وانهزم المشركون وظفر المسلمون بالغنائم والسبايا.
ولما رجع أبو موسى رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بموت أبي عامر استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم اجعله من أعلى أمتي في الجنة» أي وفي رواية: «اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس» ودعا لأبي موسى أي فقال: «اللهم اغفر له ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما» .