لما قدم غالب من الكديد مؤيدا منصورا بعثه صلى الله عليه وسلم في مائتي رجل إلى حيث أصيب أصحاب بشير بن سعد، وذلك في بني مرة فدك، وكان قبل قدوم غالب هيأ صلى الله عليه وسلم الزبير لذلك وعقد له لواء، فلما قدم غالب رضي الله تعالى عنه قال صلى الله عليه وسلم للزبير اجلس، فصار غالب رضي الله تعالى عنه إلى أن أصبح القوم فأغاروا عليهم، وكان غالب رضي الله تعالى عنه قد أوصاهم بعدم مخالفتهم له، وآخى بين القوم، فساقوا نعما وقتلوا منهم.
قال: لما دنا غالب منهم ليلا، قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله تعالى وحده لا شريك له وأن تطيعوني ولا تخالفوا لي أمرا فإنه «لا رأي لمن لا يطاع» وفي رواية: لا تعصوني، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يطع أميري فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني» وإنكم متى تعصوني فإنكم تعصون نبيكم صلى الله عليه وسلم، ثم ألف رضي الله تعالى عنه بين القوم، فقال: يا فلان أنت وفلان، ويا فلان أنت وفلان، لا يفارق رجل منكم زميله، فإياكم أن يرجع الرجل منكم فأقول له أين صاحبك؟ فيقول لا أدري، فإذا كبرت فكبروا، فلما أحاطوا بالقوم كبر غالب رضي الله تعالى عنه وكبروا معه وجردوا السيوف، فخرج الرجال فقاتلوا ساعة، ووضع المسلمون فيهم السيف، وكان شعار المسلمين «أمت أمت» وكان في القوم أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما، وتفقده غالب رضي الله تعالى عنه فلم يره، وبعد ساعة: أي من الليل أقبل، فلامه غالب وقال: ألم تر إلى ما عهدت إليك، فقال: خرجت في أثر رجل منهم جعل يتهكم بي حتى إذا دنوت منه وضربته بالسيف قال: «لا إله إلا الله» فقال له الأمير: بئسما فعلت وما جئت به، تقتل امرأ يقول: «لا إله إلا الله» فندم أسامة وساق المسلمون النعم والشاء والذرية، فكان سهم كل رجل عشرة أبعرة، وعدل البعير بعشرة من الغنم انتهى، وتقدمت الحوالة على هذه، وتقدم ما فيها.
وقوله هنا حتى إذا دنوت منه وضربته بالسيف قال: «لا إله إلا الله» يقتضي أنه
إنما قال: «لا إله إلا الله» بعد ضربه السيف. إلا أن يحمل على الإرادة، وتقدم أنه طعنه برمحه، فليتأمل.