خرج «2» سلمة بن الأكوع ومعه غلام له يقال له رباح مع الإبل، «3» فلما كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل راعيها «3» وجعل ينظر «4» في أناس معه في خيل، فقال سلمة لرباح: اركب هذا الفرس واخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد أغير على سرحه، ثم قام سلمة على تل وجعل وجهه قبل المدينة ثم نادى ثلاث مرات- وكان صيتا: يا صباحاه! ثم أتبع القوم ومعه سيفه ونبله، فجعل يرميهم «5» وذلك حين كثر الشجر، فإذا كرّ عليه الفارس جلس له في أصل شجرة ثم رماه، ولا «6» يظفر بفارس إلا عقر فرسه، فجعل يرمي ويقول:
__________
(1) وفي الطبري 3/ 60 «قد حدث في غزوة ذي قرد بعض الحديث أنه أول من نذر بهم سلمة بن عمرو ابن الأكوع الأسلمي غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله، وأما الرواية عن سلمة بن الأكوع بهذه الغزوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مقدمه المدينة منصرفا من مكة عام الحديبية، فإن كان ذلك صحيحا فينبغي أن يكون ما روي عن سلمة بن الأكوع كانت إما في ذي الحجة من سنة ست من الهجرة وإما في أول سنة سبع وذلك أن انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة عام الحديبية كان في ذي الحجة من سنة ست من الهجرة وبين الوقت الذي وقته ابن إسحاق لغزوة ذي قرد والوقت الذي روى عن سلمة بن الأكوع قريب من ستة أشهر» .
(2) في الأصل «حزم» خطأ، والتصحيح من هامش الأصل والطبري.
(3- 3) في الطبري «فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن بن عيينة قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه أجمع وقتل راعيه» وفي الأصل «عتبة» مكان «عيينة» والتصحيح من الطبري.
(4) في الأصل «يطرنها» كذا، وفي الطبري «فنظر عيينة» .
(5) وفي الطبري 3/ 60 «قال: فو الله ما زلت أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع إلى فارس منهم أتيت شجرة وقعدت في أصلها فرميته فعقرت به، وإذا تضايق الجبل فدخلوا في متضايق علوت الجبل ثم أرديهم بالحجارة، فو الله ما زلت كذلك حتى ما خلق الله بعيرا من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جعلته وراء ظهري وخلوا بيني وبينه، وحتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وثلاثين بردة يستخفون بها، لا يلقون شيئا إلا جعلت عليه آراما حتى يعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه» .
(6) في الأصل «إلا» .
أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضّع
وإذا كان [كثر] «1» الشجر رشقهم بالنبل، فإذا تضايقت الشجرة «2» علا الجبل ورماهم بالحجارة، فما زال ذلك دأبه ودأبهم ويرتجز حتى ما بقى من ظهر النبي صلى الله عليه وسلم إلا استنقذه من أيديهم وخلفه وراء ظهره، ثم لم يزل يرميهم حتى طرحوا أكثر من ثلاثين بردة «3» يستخفون بها، فكلما ألقوا شيئا جمع عليه سلمة، فلما اشتد الضحى أتاهم عيينة بن حصن بن بدر الفزاري ممدّا «4» لهم وهم في ثنية ضيقة في علوة الجبل فقال لهم: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقد لقينا من هذا- يعنون سلمة، ما فارقنا منذ سحر حتى الآن، وأخذ كل شيء من أيدينا وخلفه وراءه، فقال عيينة:
لولا أن هذا يرى وراءه طلبا لقد ترككم! فليقم إليه نفر منكم، فقام إليه نفر منهم أربعة وصعدوا في الجبل فقال لهم سلمة: أتعرفوني؟ قال: ومن أنت؟ قال: ابن الأكوع! والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم! لا يطلبني «5» رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني، فبينا سلمة يخاطبهم إذ نظر فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحقوا يتخللون الشجر وإذا أولهم الأخرم «6» الأسدي وعلى أثره أبو قتادة وعلى أثره المقداد «7» الكندي «8» ، فولى المشركون «9» مدبرين «10» ، فنزل سلمة من الجبل وقال: يا أخرم!
__________
(1) ليست الزيادة في الأصل هنا وقد مضى آنفا.
(2) في الأصل «الشاة» ولعله تصحف عن «الشجرة» ، وفي الطبري «وإذا تضايق الجبل فدخلوا في متضايق علوت الجبل ... » .
(3) من الطبري، وفي الأصل «برده» كذا.
(4) من الطبري، وفي الأصل «ممرا» .
(5) كذا في ف، وفي الطبري 3/ 61 «لا أطلب أحدا منكم إلا أدركته ولا يطلبني فيدركني، قال أحدهم: إن أظن، قال: فرجعوا فما برحت مكاني ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر ... » .
(6) التصحيح من الطبري، وفي ف «الأحزم» خطأ.
(7) من الطبري، ووقع في ف «المقدار» مصحفا.
(8) وهو ابن أسود.
(9) في ف «المشركين» .
(10) في ف «مديرون» .
احذر القوم، فإني لا آمن أن يقتطعوك «1» فاتئد «2» حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال «3» : يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة، ثم «4» أرخى عنان فرسه ولحق بعبد الرحمن ابن عيينة ويعطف عليه عبد الرحمن واختلف بينهما طعنتان فقتله عبد الرحمن وتحوّل عبد الرحمن على فرس الأخرم، فلحق أبو قتادة بعبد الرحمن واختلف بينهما طعنتان فعقر بأبي قتادة وقتله أبو قتادة، وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم، ثم خرج سلمة «5» يعدو في أثر القوم حتى ما يرى من غبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فلم يقرب «6» غيبوبة الشمس، وقرب المشركون من شعب فيه ماء يقال له: ذو قرد «7» ، فأرادوا أن يشربوا منه فالتفتوا فأبصروا سلمة وراءهم فعطفوا عن الماء وشدوا في الثنية وغربت الشمس، فلحق سلمة رجل «8» منهم فرماه بسهم، وقال: خذها:
وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع «9»
__________
(1) في ف «يقطعوك» . وفي الطبري «لا يقتطعوك» .
(2) وقع في ف «فايتر» كذا مصحفا.
(3) وفي الطبري 3/ 61 «فأخذت بعنان فرس الأخرم فقلت: يا أخرم! إن القوم قليل فاحذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال ... » .
(4) في الطبري «قال فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فعقر الأخرم بعبد الرحمن فرسه فطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول عبد الرحمن على فرسه ولحق أبو قتادة عبد الرحمن فطعنه وقتله وعقر عبد الرحمن بأبي قتادة فرسه وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم فانطلقوا هاربين» .
(5) وفي الطبري «قال سلمة فو الذي كرم وجه محمد لتبعتهم أعدو على رجلي حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم شيئا، قال: ويعدلون قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد، يشربون منه وهم عطاش، فنظروا إلي أعدو في آثارهم» .
(6) في ف «فلما قرب» .
(7) من الطبري، وفي ف «ذو قردة» .
(8) في الأصل «وجل» وفي الطبري 3/ 61 «فحليتهم فما ذاقوا منه قطرة، قال: ويسندون في ثنية ذي أسير ويعطف على واحد فأرشقه بسهم» .
(9) التصحيح من الطبري، وفي ف «الوضع» كذا.
قال «1» : يا ثكل أمياه! أكوع بكرة؟ قلت: نعم أي عدو نفسه «2» ! وكان الذي رماه بكرة وأتبعه سهما آخر فأثبت فيه سهمين وخلفوا فرسين فجاء بهما يسوقهما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على الماء الذي «3» خلفهم عند ذي قرد «3» وإذا بلال «4» قد نحر جزورا مما خلفه بسهمه وهو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها، فقال سلمة: يا رسول الله! خلني فأنتخب «5» من أصحابك مائة رجل، وأتبع الكفار حتى لا يبقى منهم مخبر «6» إلا قتلته، قال: «أكنت فاعلا ذلك» ؟ قال: نعم والذي أكرم وجهك! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فجاء رجل من غطفان فقال «7» : مر المشركون على فلان الغطفاني فنحر لهم جزورا، ثم خرجوا هرابا؛ فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إلى المدينة وجعل يقول: «خير فرساننا اليوم أبو قتادة! وخير رجالتنا «8» سلمة» ! فأعطى سلمة ذلك اليوم سهم الراجل والفارس جميعا.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه وراءه على العضباء فلما كان بينهم وبين المدينة قريب «9» وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق فجعل ينادي: هل من مسابق «10» !
__________
(1) وفي الطبري «فقال: أكوعي غدوة، قلت: نعم، يا عدو نفسه» .
(2) زيد في الطبري «وإذا فرسان على الثنية فجئت بهما أقودهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... »
(3- 3) وفي الطبري «حليتهم عنه عند ذي قرد» .
(4) وفي الطبري «وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الإبل التي استنقذت من العدو وكل رمح وكل بردة وإذا بلال ... »
(5) في الطبري «فلأنتخب» .
(6) في ف «لا يبق منهم مخبرا» كذا، والتصحيح من الطبري، ولفظه «حتى لا يبقى منهم عين، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدا أو بانت نواجذه، ثم قال: «أكنت فاعلا» ... »
(7) وفي الطبري «فقال: نحر لهم فلان جزورا فلما كشطوا عنها جلدها رأوا غبارا فقالوا: أتيتم! فخرجوا هاربين ... » .
(8) من الطبري، وفي ف «رجالنا» .
(9) كذا، وفي الطبري «فبينما نحن نسير» .
(10) كذا في ف، وفي الطبري «فجعل يقول: ألا من سابق! فقال ذلك مرارا، فلما سمعته قلت: أما تكرم كريما ولا تهاب شريفا؟ فقال: لا، إلا أن يكون رسول الله، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي! ائذن لي فلأسابق الرجل، قال: إن شئت ... » .
ألا رجل يسابق «1» إلى المدينة! فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي خلني فلأ سابق الرجل! قال: «إن شئت» : قلت، «2» اذهب إليك «2» . فطفر عن راحلته وثنيت رجلي فطفرت عن الناقة، ثم إني ربطت عليه شرفا أو شرفين يعني استبقيت نفسي ثم عدوت حتى لحقته فأصكه «3» بين كتفيه بيدي وقلت: سبقت والله! حتى قدمنا المدينة. ثم توفيت أم رومان «4» امرأة أبي بكر الصديق أم عبد الرحمن وعائشة في ذي الحجة.