وذلك أن أبا سفيان لما انصرف من أحد قال لرسول «4» الله صلى الله عليه وسلم: موعدك بدر الموسم، وكان بدر موضع سوق لهم في الجاهلية، يجتمعون إليها في كل سنة ثمانية أيام، فلما قرب الميعاد جهز «5» رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزوة الموعد.
وكان نعيم بن مسعود الأشجعي «6» قد اعتمر وقدم على قريش «7» فقالوا: يا نعيم! من أين وجهك؟ قال: من يثرب، قالوا: هل رأيت لمحمد حركة؟ قال: نعم
__________
(1- 1) التصحيح من المغازي 1/ 342 والإصابة 7/ 90؛ ووقع في ف «إلى سلمة بن عبد الأشهل» مصحفا.
(2) فكر الواقدي في المغازي 1/ 342 هذه القصة بأسانيد مختلفة وفيه «فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سلمة فخرج في أصحابه وخرج معه الطائي دليلا فأغذّوا السير، ونكب بهم عن سنن الطريق وعارض الطريق وسار بهم ليلا ونهارا فسبقوا الأخبار وانتهوا إلى أدنى قطن- ماء من مياه بني أسد ... » وفيه 1/ 345 «وحمل رجل من الأعراب على مسعود بن عروة، فحمل عليه بالرمح فقتله، وخاف المسلمون على صاحبهم أن يسلب من ثيابه فحازوه إليهم ... » .
(3) في ف «الحسن» خطأ.
(4) في ف «له رسول» .
(5) في ف «قرب» .
(6) من الطبري، وفي ف «شجعي» .
(7) من الطبري، وفي ف بياض.
تركته على هيئة الخروج ليغزوكم- وذلك قبل أن يسلم نعيم، فقال له [أبو] سفيان:
يا نعيم! إن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام غيداق «1» ترعى»
فيه [الإبل] «3» الشجر ونشرب «4» اللبن، وقد جاء أوان موعد محمد، فالحق بالمدينة فثبطهم وأخبرهم أننا في جمع كثير ولا طاقة لهم بنا «5» حتى يأتي «5» الخلف منهم «6» ، ولك عشر فرائض أضعها لك على يد سهيل بن عمرو! فجاء «7» نعيم سهيلا «7» فقال: يا أبا يزيد! تضمن «8» لي هذه الفرائض وانطلق إلى محمد فأثبطه؟ فقال: نعم.
فخرج نعيم حتى أتى المدينة، فوجد الناس يتجهزون «9» فجلس يتجسس «9» لهم ويقول: هذا ليس برأيي قدموا عليكم في عقر دوركم وأصابوكم فتخرجون إليهم، ليس هذا برأيي، ألم يجرح «10» محمد بنفسه «11» ! ألم يقتل عامة أصحابه! فثبط الناس عن الخروج حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «والذي نفسي بيده! لو لم يخرج معي أحد خرجت «12» وحدي» .
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في شهر رمضان «13» ، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة، ومع المسلمين تجارات كثيرة، حتى وافوا بدر الموعد
__________
(1) وقع في ف «عنداق» مصحفا؛ وغيداق: واسع مخصب.
(2) من الطبري 3/ 42، وفي ف «برعى» .
(3) زيد من الطبري، وقد سقط من ف.
(4) زيد في الطبري «فيه» .
(5- 5) في الطبري «فيأتي» .
(6) زيد في الطبري «أحب إلى من أن يأتي من قبلنا» .
(7- 7) من الطبري والمغازي 1/ 386، وفي «سهيل نعيما» خطأ.
(8) في ف «تضعن» كذا، والتصحيح من الطبري والمغازي.
(9- 9) في الطبري «فتدسس» .
(10) من الطبري، وفي ف «يخرج» .
(11) في الطبري «في نفسه» .
(12) في الطبري «لخرجت» .
(13) في المغازي 1/ 387 «فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة» .
فأصابوا بها سوقا عظيما، وربحوا لدرهم درهما، ولم يلقوا عدوا «1» . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة بنت «2» أبي أمية في شوال، ودخل بها في ذلك الشهر، وكانت قبله تحت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي.
ثم رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديا ويهودية تحاكما إليه وكانا محصنين.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود وقال: إني لا آمن «3» أن يبدلوا كتابي! فتعلم زيد بن ثابت ذلك في خمسة عشر يوما.
ثم كانت سرية الخزرج إلى سلام «4» بن أبي الحقيق
وذلك أنه «5» كان مما صنع الله به لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيين من الأنصار الأوس والخزرج كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تصاول الفحلين، لا تصنع الأوس شيئا فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غناء إلا قالت الخزرج: والله لا يذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام! قال: فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها، وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأس مثل ذلك «5» ، فلما أصابت الأوس كعب بن الأشرف قالت الخزرج: من رجل في العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ككعب بن الأشرف «6» ،
__________
(1) كذا في ف، وفي الطبري «ثم أنهج الله عز وجل للمسلمين بصائرهم فخرجوا بتجارات فأصابوا للدرهم درهمين ولم يلقوا عدوا وهي بدر الموعد، وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام» .
(2) التصحيح من الطبري 3/ 42، وفي ف «بن» خطأ.
(3) من الطبري، وفي ف «لا أشتهي» .
(4) من سيرة ابن هشام 2/ 209، وفي ف «سالم» .
(5- 5) من السيرة؛ وفي ف «جل علا مما صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم منا وأن الأوس والخزرج لأنهما كانا يتصاولا في تصاول الفحل لا يقل في أحد من الفريقين إلا التمس الإخوان أن يقتل مثله» كذا.
(6) في السيرة «قالت الخزرج: والله لا يذهبون بها فضلا علينا أبدا، قال: فتذاكروا من رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن الأشرف» .
فذكروا سلام بن أبي الحقيق «1» بخيبر، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله، فأذن لهم ونهاهم عن قتل النساء والولدان. فخرج «2» عبد الله بن عتيك وعبد الله «3» بن أنيس ومسعود بن سنان وأبو قتادة بن ربعي بن «4» بلدمة بن سلمة «4» وخزاعي بن أسود «5» حليف «6» لهم من أسلم، حتى «7» قدموا خيبر فدخلوا على سلام بن أبي الحقيق داره ليلا، ولم يبق في الدار بيت إلا أغلقوه، ثم صعدوا في درجة إلى علية له فضربوا عليه بابه، فخرجت امرأته وقالت: من أنتم؟ قالوا: نفر من العرب أردنا «8» الميرة، فقالت: هو ذاك «9» في البيت، فدخلوا عليه وغلّقوا الباب عليهم، فما دلهم عليه إلا بياضه في ظلمة البيت وكان أبيض وكأنه قبطي «10» ، فابتدروه بأسيافهم، وتحامل عليه عبد الله بن أنيس فوضع سيفه في بطنه «11» ، وهتفت «12» امرأته، وخرجوا. وكان عبد الله ابن عتيك أمير القوم وكان في بصره شيء، فسقط من الدرجة «13» فوثئت يده وثأ «13» شديدا.
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه، واختلفوا في قتله وادعى كل واحد منهم أنه قتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاتوا سيوفكم، فأعطوه، فنظر فقال: سيف
__________
(1) زيد في سيرة ابن هشام «وهو» .
(2) كذا، وفي سيرة ابن هشام «فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر» .
(3) من السيرة والمغازي 1/ 391، وفي ف «عبيد الله» خطأ.
(4- 4) ليس في سيرة ابن هشام، وفي ف «وبلدة ابن سلمة» كذا، والتصحيح من جمهرة أنساب العرب ص: 341 وتهذيب التهذيب 12/ 204.
(5) كذا في السيرة، وفي المغازي: الأسود بن خزاعي.
(6) وقع في ف مكررا.
(7) زيد هنا في سيرة ابن هشام «فخرجوا وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك» وسيأتي.
(8) في سيرة ابن هشام 2/ 210 «نلتمس» .
(9) من المغازي 1/ 392، وفي ف «ذلك» .
(10) كذا، وفي سيرة ابن هشام، «كأنه قبطية ملقاة» ، وفي المغازي «كأنه قطنة ملقاة» .
(11) زيد في سيرة ابن هشام «حتى أنفذه وهو يقول: قطني قطني، أي حسبي حسبي» .
(12) في ف «هنقت» خطأ، وفي سيرة ابن هشام «ولما صاحت امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده ولولا ذلك لفرغنا منها بليل» .
(13- 13) من سيرة ابن هشام، وفي ف «فوتى وتيا» خطأ.
عبد الله بن أنيس هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام.