ثم لما أراد الله إظهار دينه وإعزاز المسلمين: أسلم الأنصار - أهل المدينة - بسبب العلماء الذين عندهم من اليهود، وذِكْرِهم لهم النبي وصفته، وأن هذا زمانه وقدر الله سبحانه أن أولئك العلماء الذين يتمنون ظهوره وينتظرونه ويتوعدونهم به - لمعرفتهم أن العز لمن اتبعه - يكفرون به ويعادونه. فهو قول الله سبحانه {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] (3) .
_________
(1) ذكر صاحب فتح الباري ج 8 ص 439 ط السلفية: أن القصة رويت بثلاثة أسانيد على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض قال: وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله: ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، ثم ذكر أجوبة للعلماء في ذلك، وأحسنها القول: إن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك فتوهموا أنه صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وليس كذلك في نفس الأمر اهـ.
(2) من آية 26 من سورة الأحقاف.
(3) آية 89 من سورة البقرة.
فلما أسلم الأنصار: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان بمكة من المسلمين بالهجرة إلى المدينة. فهاجروا إليها. وأعزهم الله تعالى بعد تلك الذلة. فهو قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ} [الأنفال: 26] (1) الآية.
[