وقال سلمة بن الأكوع: خرجنا إلى خيبر فقال رجل لعامر بن الأكوع ألا تسمعنا من هنياتك؟ فنزل يحدو ويقول:
اللَّهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
إنا إذا صيح بنا أتينا ... وبالصياح عولوا علينا
وإن أرادوا فتنة أبينا
فقال -صلى اللَّه عليه وسلم - من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع. قال رحمه اللَّه فقال رجل من القوم وجبت يا رسول اللَّه لولا متعتنا به؟ .
قال فأتينا خيبر. فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة. فلما تصافوا خرج مرحب يخطر بسيفه ويقول -
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فنزل إليه عامر وهو يقول -
قد علمت خيبر أني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين. فوقع سيف مرحب في ترس عامر فعضه. فذهب عامر يسفل له - وكان سيفه قصيرا - فرجع إليه سيف فأصاب ركبته فمات.
قال سلمة فقلت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم - زعموا أن عامرا حبط عمله فقال «كذب من قال ذلك إن له أجرين - وجمع بين إصبعيه - إنه لجاهد مجاهد قل عربي مشى بها مثله» . ولما دنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - من خيبر قال قفوا فوقف الجيش.
فقال «اللَّهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين. فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وخير ما فيها. ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها، وشر ما فيها» . أقدموا باسم اللَّه (1) .
فحاصرهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - قريبا من عشرين ليلة. وكانت أرضا وخمة شديدة الحر. فجهد المسلمون جهدا شديدا. فقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - فيهم. فوعظهم وحضهم على الجهاد.
وكان فيهم عبد أسود فقال يا رسول اللَّه إني رجل أسود اللون قبيح الوجه منتن الريح لا مال لي. فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل أدخل الجنة؟ قال نعم فتقدم. فقاتل حتى قتل فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - لما رآه «لقد
_________
(1) الحديث رواه النسائي وابن حبان والحاكم وصححاه من حديث صهيب.
حسن اللَّه وجهك، وطيب ريحك. وكثر مالك وقال لقد رأيت زوجتيه من الحور العين تتنازعان جبة عليه. وتدخلان فيما بين جلده وجبته» .
فافتتح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - بعضها، ثم تحول إلى الكتيبة، والوطيح، والسلالم. فإن خيبر كانت جانبين الأول الشق والنطاة، الذي افتتح أولا. والثاني: ما ذكرنا.
فحاصرهم حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه الصلح. ونزل إليه سلام بن أبي الحقيق فصالحهم على حقن الدماء وعلى الذرية ويخرجون من خيبر، ويخلون ما كان لهم من مال وأرض. وعلى الصفراء والبيضاء والحلقة إلا ثوبا على ظهر إنسان.
فلما أراد أن يجليهم قالوا: نحن أعلم بهذه الأرض منكم. فدعنا نكون فيها. فأعطاهم إياها، على شطر ما يخرج من ثمرها وزرعها.
ثم قسمها على ستة وثلاثين سهما، كل سهم مائة سهم. فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم. نصفها لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - وما ينزل به من أمور المسلمين. والنصف الآخر قسمه بين المسلمين.
[قدوم جعفر بن أبي طالب وصحبه من الحبشة]