,
110- قال البخاري1: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن كان معه يدّعي الإسلام: "هذا من أهل النار". فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال، حتى كثرت به الجراح، فكاد بعض الناس يرتاب، فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته، فاستخرج منها أسهماً، فنحر بها نفسه، فاشتد رجالٌ من المسلمين فقالوا: يا رسول الله، صدق الله حديثك، انتحر فلانٌ فقتل نفسه، فقال: "قم يا فلان، فأذّن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر". تابعه معمر عن الزهري.
__________
1 البخاري مع الفتح (7/ 471 رقم (4103) ، وقد روى البخاري نحو هذه الرواية من غير طريق الزهري، ولم يسم فيها الغزوة، وقد أخرجها مسلم ٌ من طريق الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، وذكر أن الغزوة حنين، انظر: صحيح مسلم رقم (111) ، وأخرجها أيضاً من غير طريق الزهري رقم (112) ولكنه لم يسم الغزوة. وأخرجها أحمد في المسند 13/ 453 رقم [8090] و28/ 453 رقم [17218] أرناؤوط من طريق الزهري، وسمى الغزوة (خيبر) ، ورواها ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 88) من غير طريق الزهري بإسناد منقطع، وذكر أن الغزوة أحد، وأن الرجل اسمه قُزمان، ووافق ابنَ إسحاق في ذلك الواقدي في المغازي (1/ 263) وقد يحمل ذلك على تعدد القصة، كما ذكر الباكري في (مرويات غزوة أحد) ص 249. والله أعلم.
المبحث السابع: في اصطفاء الرسول صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي رضي الله عنها وزواجه بها
111- قال الطبراني: حدثنا القاسم1 بن عبد الله بن مهدي الأخميمي المصري، ثنا عمي محمد بن مهدي2، ثنا عنبسة بن خالد3، ثنا يونس، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف4، عن أبيه قال: سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب5 من بني النضير، وكانت مما أفاء الله عليه6.
__________
1 تقدمت ترجمته في الرواية رقم [74] ، وهو ضعيف واتهم بالوضع.
2 تقدمت ترجمته في الرواية رقم [74] ، وهو ضعيف واتهم بالوضع.
3 هو: عنبسة بن خالد بن يزيد الأموي مولاهم، الأيلي، بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة، صدوق، من التاسعة، توفي سنة ثمان وتسعين ومائة، خ د، التقريب 432.
4 هو: أسعد بن سهل بن حُني ف بضم المهملة، الأنصاري أبو أمامة، معروف بكنيته، معدود في الصحابة، له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، توفي سنة مائة، وله اثنتان وتسعون، ع، التقريب 104، والإصابة 1/ 97- 98.
5 هي: أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب بن سعنة بن ثعلبة بن عبيد بن كعب ابن أبي خبيب من بني النضير، وهم من سبط لاوى بن يعقوب ثم من ذرية هارون ابن عمران أخي موسى عليهما السلام، كانت تحت سلام بن مشكم ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق، فقتل كنانة يوم خيبر فصارت صفية في السبي، فأخذها دحية، ثم استعادها النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها. الإصابة 4/ 347.
6 المعجم الكبير 24/ 66 رقم (174) قال الهيثمي في المجمع (9/ 246) وفيه القاسم بن عبد الله بن مهدي وهو ضعيف وقد وثق.
112- وقال ابن أبي عاصم: حدثنا حسين بن حسن بن حرب1، نا حجاج2 بن أبي منيع، عن جده3، عن الزهري، قال: سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها من بني النضير يوم خيبر وهي عروس بكنانة4 بن أبي الحقيق5.
113- وقال أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة6، حدثنا ابن عيينة، عن
__________
1 هو الحسين بن الحسن بن حرب السلمي أبو عبد الله المروزي، نزيل مكة، صدوق من العاشرة، توفي سنة ست وأربعين، ت ق، التقريب 166 رقم (1315) .
2 تقدمت ترجمته في الرواية رقم [35] ، وهوثقة.
3 تقدمت ترجمته في الرواية رقم [35] ، وهو صدوق.
4 كانت قد تزوجت قبله بسلام بن مشكم، كما ذكر ابن حجر، الإصابة 4/ 347
5 الآحاد والمثاني 5/ 440 رقم (3110) ، وسنده حسن إلى الزهري، لكنه مرسل، وقد أخرجه الطبراني في الكبير 24/ 66 رقم (173) من طريق الحجاج بن أبي منيع قال: حدثني جدي عبيد الله بن زياد عن الزهري فذكره.
وقصة سبي صفية ثابتة من غير طريق الزهري فقد أخرجها البخاري في مواضع عدة من صحيحه منها: الصحيح مع الفتح 1/ 479- 480 رقم (371) و7/ 478- 479 رقم (4211) ، ومسلم بشرح النووي 9/ 218- 224، كلاهما من حديث أنس رضي الله عنه، وأخرجها أيضاً سعيد بن منصور في سننه رقم (2676) وأبو داود في سننه رقم (2995) وغيرهم.
6 هو: زهير بن حرب بن شداد، أبو خيثمة النسائي، نزيل بغداد، ثقة، ثبت، روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث، من العاشرة، توفي سنة أربع وثلاثين، وهو ابن أربع وسبعين، خ م د س، التقريب 217.
الزهري، عن أنس1: أن النبي صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ على صفية - أراه قال: بتمر وسويق -2.
__________
1 هو: أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار أبو حمزة الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد المكثرين عنه، خرج إلى بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام يخدمه، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ثماني غزوات، مات بالبصرة سنة تسعين وقيل: إحدى وتسعين، وقيل: سنة اثنتين وتسعين، وقيل: سنة ثلاث، وهو ابن مائة سنة وقيل: ابن مائة وثلاث سنين. وقيل: ابن مائة وسبع. الإصابة 1/ 71- 72.
2 مسند أبي يعلى 6/ 259، رقم (3559) . وهو حديث صحيح.
,
...
المبحث الثامن: في محاولة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بالسمّ.
114- قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا العباس بن محمد1، قال: حدثنا سعيد بن سليمان2 قال: حدثنا عباد هو ابن العوام3، عن سفيان يعني ابن حسين4، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن5 عن أبي هريرة: "أن امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاةً مسمومةً، فقال لأصحابه: "أمسكوا؛ فإنها مسمومة"، فقال: "ما حملكِ على ما صنعتِ؟ " قالت: أردت أعلم إن كنت نبياً فسيطلعك الله عليه، وإن كنت
__________
1 هو: العباس بن محمد بن حاتم الدوري أبو الفضل البغدادي خوارزمي الأصل، ثقة حافظ من الحادية عشرة، توفي سنة 71، وقد بلغ ثمانين سنة، ع، التقريب 249.
2 هو سعيد بن سليمان الضبي أبو عثمان الواسطي نزيل بغداد، البزار، لقبه سعدويه، ثقة حافظ من كبار العاشرة، توفي سنة خمس وعشرين وله نحو من سبعين، ع، التقريب 237.
3 عباد بن العوام بن عمر الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي، ثقة من الثامنة، توفي سنة خمس وثمانين أو بعدها وله نحو من سبعين، ع، التقريب 290.
4 هو: سفيان بن حسين، ثقة في غير الزهري، وقد تقدم في الرواية رقم [20] .
5 أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، ثقة مكثر، من الثالثة، توفي سنة أربع وتسعين، أو أربع ومائة، وكان مولده سنة بضع وعشرين، ع، التقريب 645.
كاذباً أريح الناس منك، قال: فما عرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم"1.
115- عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك2: "أن امرأةً يهوديةً3 أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم شاةً مصليَّةً4 بخيبر، فقال: "ما هذه؟ " قالت: هدية، وحَذِرت أن تقول: هي من الصدقة فلا يأكل، قال: فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأكل أصحابه، ثم أمسكوا، فقال للمرأة:
__________
1 دلائل البيهقي 4/ 259- 260، وسيأتي ما يقويه من روايات أخرى.
2 عند ابن سعد في الطبقات (2/ 201) عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وستأتي إن شاء الله، وعند أبي داود في السنن في رواية أخرى عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك رقم (4514) .
3 اسمها: زينب بنت الحارث أخي مرحب، وهي امرأة سلام بن مشكم، ذكر ذلك ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 337) وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 201.
أما النووي فقد قال: اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي، روينا تسميتها هذه في مغازي موسى بن عقبة ودلائل النبوة للبيهقي، شرح النووي على مسلم 14/ 179.
والذي في الدلائل (5/ 231) من طريق محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن اسمها: زينب بنت الحارث اليهودية وهي: ابنة أخي مرحب، ولم ينسبها، فالصواب أنها ابنة أخي مرحب، وليست أخته. والله أعلم.
4 مَصْلِيَّة: أي: مشوية، ويقال: صليت اللحم - بالتخفيف - أي شويته، فهو مصلي. النهاية 3/50.
"هل سممت هذه الشاة"؟ قالت: من أخبرك؟ قال: "هذا العظم - لساقها وهي في يده –". قالت: نعم. قال: (لِمَ؟) . قالت: أردت إن كنت كاذباً أن يستريح منك الناس، وإن كنت نبياً لم يضرك. قال: فاحتجم1 النبي صلى الله عليه وسلم على الكاهل2، وأمر أصحابه فاحتجموا فمات بعضهم"3.
__________
1 الاحتجام: مص الدم الفاسد من جسم الإنسان بعد الفصاد، والمحجم - بالكسر - الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المص، والمحجم أيضاً مشرط الحجامة. النهاية 1/ 347.
2 الكاهل: مقدم أعلى الظهر. النهاية 4/ 214.
3 لم تذكر الروايات إلا بشر بن البراء بن معرور رضي الله عنه. انظر: ابن هشام 2/ 338، والطبقات لابن سعد 2/ 202، ودلائل البيهقي 4/ 262، والسنن 8/ 46، والنووي في شرحه على مسلم 14/ 179.
قال الزهري: "فأسلمت1، فتركها2 النبي صلى الله عليه وسلم"3.
قال معمر: وأما الناس فيقولون: قتلها النبي صلى الله عليه وسلم4.
__________
1 ذكرها ابن حجر في الإصابة 4/ 314، ولعله بناءً على رواية الزهري: انظر: المصدر السابق، وقال رحمه الله: ولم ينفرد الزهري بدعواه أنها أسلمت، فقد جزم بذلك سليمان التيمي في مغازيه، ولفظه بعد قولها: وإن كُنْتَ كاذباً أرحت الناس منك.
وقد استبان لي الآن أنك صادق، وأنا أُشهد من حضر أني على دينك، وأن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، قال: فانصرف عنها حين أسلمت. الفتح 7/ 497 - 498.
2 اختلف العلماء هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟
فقد روى مسلم من حديث أنس أنهم قالوا: "ألا نقتلها؟ قال: لا". صحيح مسلم بشرح النووي 14/ 178، وكذلك عند أبي داود رقم (4510) من مرسل الزهري عن جابر، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 46، والدلائل 4/ 259.
وروى أبو داود من حديث أبي هريرة وفيه: " ... فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت" السنن رقم (4512) ، وكذلك عند الحاكم في المستدرك 3/ 219- 220.
وورد أنه دفعها إلى أولياء بشر بن البراء فقتلوها، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 202.
الجمع بين ذلك: قال النووي: "قال القاضي عياض: وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها أولاً حيت اطلع على سمها، وقيل له: اقتلها، فقال: لا، فلما مات بشر بن البراء من ذلك، سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصاً، فيصح قولهم: لم يقتلها أي في الحال، ويصح قولهم: قتلها أي بعد ذلك والله أعلم". اهـ. النووي على شرح مسلم 14/ 179.
3 مصنف عبد الرزاق 11/ 28 رقم (19814) . وسنده صحيح.
4 ومن طريق معمر أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 260- 261، وهو مرسل ويحتمل أن يكون عبد الرحمن حمله عن جابر. دلائل النبوة 4/ 262.
116- وأخرج البيهقي من طريق محمد بن فليح قال: حدثنا موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وقتل من قتل منهم، أهدت زينب بنت الحارث اليهودية وهي ابنة أخي مرحب لصفية شاةً مصليةً، وسمّتها، وأكثرت في الكتف والذراع لأنه بلغها أنه أحبّ أعضاء الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل رسول الله على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة، فقدمت إليهم الشاة المصلية، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف وانتهش1 منها، وتناول بشر بن البراء عظماً فانتهش منه، فلما استرط2 رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ارفعوا أيديكم؛ فإن كتف هذه يخبرني أن قد بُغِيتُ3 فيها "، فقال بشر بن البراء: والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلتُ، فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك4 طعامك، فلما أسغتَ ما في فيك لم أكن أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون
__________
1 أي أخذ بأطراف الأسنان. القاموس 785 مادة (نهش) .
2 سرط: أي ابتلعه. القاموس 864 مادة (سرط) .
3 في البداية والنهاية 4/ 210: نُعِيتُ فيها، أي أخبره بالموت الذي فيها. انظر: القاموس (نعى) .
4 يقال: أنغص الله عليه العيش: كَدَّره. القاموس (نغص) .
استرطتها وفيها بغي، فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه مثل الطيلسان1، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلى ما حول"2.
117- وقال الدارمي: أخبرنا الحكم بن نافع3، أنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: ثم كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاةً مصليَّةً، ثم أهدتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلممنها الذراع فأكل منها، وأكل الرهط من أصحابه معه، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "ارفعوا أيديكم"، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فدعاها فقال لها: "أسممتِ الشاة"؟ فقالت: نعم، ومن أخبرك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أخبرتني هذه في يدي؛ الذراع4، فقالت: نعم، قال: "فماذا أردت إلى ذلك؟ "، قالت: قلت إن كان نبياً فلن يضره، وإن
__________
1 الطيلسان: ضربٌ من الأكسية الملونة. لسان العرب (طلس) .
2 دلائل النبوة 4/ 263- 264، وهذا الحديث مرسل، وسيأتي ما يشهد له إن شاء الله.
3 الحكم بن نافع البهراني: - بفتح الموحدة - أبو اليمان الحمصي، مشهور بكنيته، ثقة ثبت، يقال إن أكثر حديثه عن شعيب مناولة، من العاشرة، توفي سنة اثنتين وعشرين، ع، التقريب 176، رقم (1464) .
4 في رواية عبد الرزاق المتقدمة: قالت: من أخبرك؟ قال: هذا العظم - لساقها وهي في يده - المصنف 11/ 28.
لم يكن نبياً استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة، حجمه أبو هندٍ1 مولى بني بياضة بالقرن والشفرة2، وهو من بني ثمامة، وهم حيٌّ من الأنصار"3.
__________
1 أبو هند: قيل: اسمه عبد الله، وقال ابن منده: يقال: اسمه: يسار، ويقال: سالم، وهو مولى فروة بن عمرو البياضي من الأنصار، تخلف عن بدر، وشهد المشاهد بعدها. الإصابة 4/ 211.
2 القرن والشفرة: أما القرن قيل: هو قرن ثور جُعِل كالمحجمة. النهاية 4/ 54.
وأما الشفرة: فهي السكين العريضة. النهاية 2/ 484. وهما آلتان تستخدمان للحجامة.
3 سنن الدارمي 1/ 46 رقم (68) . وأخرجه أبو داود في السنن رقم (4510) من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب، ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 261- 262.
وهو مرسل، لأن الزهري لم يسمع من جابر شيئاً، كما قال الخطابي في معالم السنن 4/ 658.
وقال المنذري: هذا الحديث منقطع، الزهري لم يسمع من جابر بن عبد الله، عون المعبود 12/ 231.
وقصة الشاة المسمومة قد وردت من غير طريق الزهري، فقد أخرجها البخاري في صحيحه رقم (3169) من حديث أبي هريرة، ومسلم في صحيحه مع شرح النووي 14/ 175 من حديث أنس بن مالك، وأبو داود رقم (4512) من حديث أبي هريرة، والدارمي في السنن 1/ 47 رقم (69) من حديث أبي هريرة أيضاً.
118- وقد أخرج ابن سعد 1 عن جمع من الرواة ومنهم الزهري زاد بعضهم على بعض، قالوا: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر واطمأن، جعلت زينب بنت الحارث أخي مرحب، وهي امرأة سلام بن مِشْكم، تسأل: أي الشاة أحبّ إلى محمد؟ فيقولون: الذراع، فعمدت إلى عنز لها فذبحتها، وصلتها، ثم عمدت إلى سُمٍّ لا يُطْني2، وقد شاورت يهود في سموم، فأجمعوا لها على هذا السمّ بعينه، فسمّت الشاة وأكثرت في الذراعين، والكتف، فلما غابت الشمس وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب بالناس، انصرف وهي جالسة عند رجليه، فسأل عنها فقالت: يا أبا القاسم هدية أهديتها لك، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت منها، فوضعت بين يديه، وأصحابه حضور، أو من حضر منهم، وفيهم بشر بن البراء بن معرور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادنوا فتعشوا"، وتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فانتهش منها، وتناول بشر بن البراء عظماً آخر فنهش منه، فلما ازدرد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته ازدرد بشر بن البراء ما في فيه، وأكل القوم منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
__________
1 الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 201- 203، وهي رواية ضعيفة لعدم معرفة رواة الزهري من بين أولئك الجمع من الشيوخ.
2 لا يطني: أي لا يسلم عليه أحد، يقال: رماه الله بأفعى لا تُطْني، أي لا يفلت لديغها. النهاية 3/ 141.
"ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع - وقال بعضهم فإن كتف الشاة - تخبرني أنها مسمومة". فقال بشر: والذي أكرمك لقد وجدت ذلك من أكلتي التي أكلت حين التقمتها، فما منعني أن ألفظها إلا أني كرهت أن أبغض إليك طعامك. فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون ازدردتها وفيها بغي، فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان، وماطله وجعه سنة لا يتحول إلا ما حول، ثم مات، وقال بعضهم: فلم يَرُمْ بشر من مكانه حتى توفي، قال: وطرح منها لكلب فأكل فلم يتبع يده حتى مات، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت الحارث فقال: "ما حملك على ما صنعت؟ ". فقالت: نلت من قومي ما نلت، قتلت أبي وعمي وزوجي، فقلت: إن كان نبياً فستخبره الذراع، وقال بعضهم: وإن كان ملكاً استرحنا منه، ورجعت اليهودية كما كانت، قال: فدفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ولاة بشر بن البراء فقتلوها - وهو الثبت - واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فاحتجموا أوساط رؤوسهم، وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ثلاث سنين، حتى كان وجعه الذي قبض فيه جعل يقول في مرضه: "ما زلت أجد من الأكلة التي أكلتها يوم خيبر عداداً حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري"، وهو عرق في الظهر، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً صلوات الله عليه ورحمته وبركاته ورضوانه.
المبحث التاسع: في أثر ذلك السمّ على النبي صلى الله عليه وسلم.
119- عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، أن أم مبشر1 قالت للنبي صلى الله عليه وسلم في المرض الذي مات فيه: ما تتهم بنفسك يا رسول الله؛ فإني لا أتهم بابني إلا الشاة المشوية التي أكل معك بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا لا أتهم إلا ذلك بنفسي، هذا أوان انقطاع أَبْهُرِي"2 يعني عرق الوريد3.
__________
1 اسمها: خُليسة بنت قيس بن ثابت بن خالد الأشجعية من نبني دهمان، كانت زوج البراء بن معرور، وبايعت ولها رواية، وهي أم بشر بن البراء بن معرور، قاله ابن سعد 4/ 285- 286.
2 الأَبْهُر: عرق في الظهر، يقال: هو الوريد في العنق، وهو متصل بالقلب، فإذا انقطع مات صاحبه. انظر: اللسان، مادة (بهر) .
3 مصنف عبد الرزاق 11/ 29 رقم (1981) ، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أبو داود في سننه رقم (4153) .
قال الألباني: "صحيح الإسناد"، صحيح سنن أبي داود 3/ 855 رقم (3785) .
ومن طريق معمر أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 219، وقال: هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص.
وأخرجه البخاري معلقاً فقال: وقال بونس عن الزهري قال عروة قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة، ما زال ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم". صحيح البخاري مع الفتح 8/ 131 رقم (4428) .
قال الحافظ: "وهذا قد وصله البزار والحاكم والإسماعيلي من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بهذا الإسناد". الفتح 8/ 130.
وأخرجه الدارمي من غير طريق الزهري، سنن الدارمي 1/ 46 رقم (67) .
المبحث العاشر: في فتح خيبر هل كان صلحاً أم عنوة.
...
المبحث العاشر: في فتح خيبر هل كان عنوةً أم صلحاً؟
120- قال ابن إسحاق 1: فأخبرني ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوةً2 بعد القتال، وكانت خيبر مما أفاء الله عزوجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمسها وقسمها بين المسلمين3، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها وتكون ثمارها بيننا وبينكم، وأُقركم ما أَقركم الله، فقبلوا، فكانوا على ذلك يعملونها.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة4، فيقسم ثمرها، ويعدل
__________
1 ابن هشام 2/ 356- 357.
2 عنوة: أي قهراً، وفتحت هذه البلدة عنوة: أي فتحت بالقتال، اللسان مادة (عنا) .
وقد وردت روايات عن الزهري تذكر أن بعضها فتح عنوة، وبعضها صلحاً، وستأتي إن شاء الله تعالى.
3 سيأتي أن غنائم خيبر كانت لأهل الحديبية.
4 خرص عليهم عبد الله بن رواحة عاماً واحداً، ثم أصيب بمؤتة يرحمه الله، فكان جبار بن صخر بن أمية بن خنساء أخو بني سلمة هو الذي يخرص عليهم بعد عبد الله بن رواحة. ابن هشام 2/ 354.
عليهم في الخرص، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أقرها أبو بكر رصي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي.
ثم أقرهم عمر رصي الله عنه صدراً من إمارته، ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي قبضه الله فيه: "لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان"1، ففحص عمر ذلك حتى بلغه الثبت، فأرسل إلى يهود فقال: إن الله عزوجل قد أذن في جلائكم، قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان".
فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليأتني به أُنفده له2، ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليتجهز للجلاء.
__________
1 أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الجامع، باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة، حديث رقم (18) عن ابن شهاب مرسلاً، وعبد الرزاق في المصنف 4/ 126 رقم (7208) و6/ 54 رقم (9987) و10/ 357 رقم (9359) عنه عن الزهري عن ابن المسيب مرسلاً، والبلاذري في فتوح البلدان 41.
وأخرج البخاري في باب إخراج اليهود من الجزيرة رقم (3167) من حديث أبي هريرة نحوه، وأخرج أيضاً من حديث ابن عباس رقم (3168) بلفظ: " ... أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ... ) ، وحديث ابن عباس أخرجه مسلم أيضاً رقم (1637) .
2 أنفذه له: أي أمضيه له. النهاية 5/91.
فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.
121- وقال أبو داود: حدثنا ابن السرح1، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال2
122- قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس3، ثنا
__________
1 ابن السرح: أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح - بمهملات-، أبو الطاهر المصري، ثقة، من العاشرة، توفي سنة خمسين، م د س ق، النقريب 83.
2 السنن 3/ 161 رقم (3018) ومن طريق يونس عن الزهري أخرجه أبو عبيد في الأموال، رقم (141) ، ومن طريق أبي عبيد أخرجه ابن زنجويه في الأموال أيضاً 1/ 188 رقم (218) ، والبلاذري في الفتوح ص 41 كلهم عن الزهري مرسلاً.
ويشهد لقول الزهري أن خيبر افتتحت عنوة ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أنس في مواضع عدة، منها رقم (371) وفيه: " ... فلما دخل القرية قال: "الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين"، قالها ثلاثاً، قال: وخرج القوم إلى أعمالهم، فقالوا: محمد - قال عبد العزيز وقال بعض أصحابنا - والخميس - يعني الجيش - قال: فأصبناها عنوة ... " أ. هـ.
ومسلم رقم (1635) ، وأبو داود رقم (3009) ، والنسائي في النكاح باب البناء في السفر 6/ 132- 133.
3 ثقة حافظ جليل، تقدم في الرواية رقم [42] .
عبد الله بن محمد1، عن جويرية2، عن مالك3، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة ً4.
123- قال أبو داود: وقرئ على الحارث بن مسكين5 وأنا شاهد: أخبركم ابن وهب، قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب: أن خيبر كان بعضها عنوةً، وبعضها صلحاً، والكتيبة أكثرها عنوةً، وفيها صلحٌ،
__________
1 هو: عبد الله بن محمد بن أسماء، أبو عبيد الضُبَعي؛ بضم المعجمة وفتح الموحدة، أبو عبد الرحمن البصري، ثقة جليل، من العاشرة، مات سنة إحدى وثلاثين، خ م د س، التقريب 320.
2 جويرية: تصغير جارية، ابن أسماء بن عبيد الضُبَعي - بضم المعجمة وفتح الموحدة - البصري، صدوق، من السابعة، مات سنة ثلاث وسبعين، خ م د س ق، التقريب 143 رقم (988) .
3 هو: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي، أبو عبد الله، المدني الفقيه، إمام دار الهجرة، رأس المتقنين، وكبير المتثبتين، حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر، من السابعة، توفي سنة تسع وسبعين، وكان مولده سنة ثلاث وتسعين.
وقال الواقدي: بلغ تسعين سنة، ع، التقريب 516.
4 السنن 3/ 161، كتاب الخراج والفيء رقم (3017) وهو مرسل قوي.
5 هو: الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف، مولى بني أمية، أبو عمرو البصري، قاضيها، ثقة فقيه، من العاشرة، توفي سنة خمسين، وله ست وتسعون سنة، د س، التقريب 148.
قلت لمالك: وما الكتيبة؟ قال: أرض خيبر؛ وهي أربعون ألف عَذْق1.
124- وقال أبو داود: حدثنا حسين بن علي العجلي2، ثنا يحيى ابن آدم3، ثنا ابن أبي زائدة4، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري وعبد
__________
1 المصدر السابق: 3/ 161. ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في السنن 6/ 316 و9/ 138.
والعذق: - بالفتح - النخلة، وبالكسر: العرجون بما فيه من الشماريخ. النهاية 3/ 199.
2 هو: حسين بن علي بن الأسود العجلي، أبو عبد الله الكوفي نزيل بغداد، صدوق يخطئ كثيراً، لم يثبت أن أبا داود روى عنه، من الحادية عشرة، ت، التقريب 167 رقم (1331) . ولعل مستند الحافظ ابن حجر على قوله: لم يثبت أن أبا داود روى عن حسين العجلي، هو قول الآجري: "سمعت أبا داود يقول: حسين بن الأسود الكوفي [العجلي] لا ألتفت إلى حكايته أراها أوهاماً ... " قال الحافظ معقباً على كلام الآجري: "وهذا مما يدل على أن أبا داود لم يرو عنه، فإنه لا يروي إلا عن ثقة عنده ... " التهذيب 2/ 344، وانظر: تهذيب الكمال 6/ 393، حاشية رقم (5) .
3 هو: يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، أبو زكريا، مولى بني أمية، ثقة حافظ فاضل، من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث ومائتين، ع، التقريب 587.
4 هو: زكريا بن أبي زائدة: خالد، ويقال: هبيرة بن ميمون بن فيروز الهمداني الوادعي، أبو يحيى الكوفي، ثقة وكان يدلس وسماعه من أبي إسحاق بأخرة، من السادسة، توفي سنة - سبع أو ثمان أو تسع - وأربعين، ع، التقريب 216 رقم (222) .
الله بن أبي بكر 1 وبعض ولد2 محمد بن مسلمة قالوا: بقيت بقيةٌ من أهل خيبر تحصنوا، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسيّرهم، ففعل. فسمع بذلك أهل فدك3 فنزلوا على مثل ذلك، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصةً، لأنه لم يوجف4 عليها بخيل ولا ركاب5.
__________
1 هو: عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، القاضي، ثقة، من الخامسة، توفي سنة خمس وثلاثين وهو ابن سبعين سنة، ع، التقريب 297.
2 لعله محمود بن محمد بن مسلمة، لأن المزي ذكر ترجمة محمد بن مسلمة أن ممن روى عنه ابنه محمود بن محمد بن مسلمة، انظر: تهذيب الكمال 26/ 457 رقم الترجمة (5610) ، ولم أجد له ترجمة.
3 فدك: قرية شرقي خيبر، تعرف اليوم باسم (الحائط) ، معجم المعالم الجغرافية 235
4 الإيجاف: سرعة السير. النهاية 5/ 157.
5 السنن 3/ 161، كتاب الخراج والإمارة والفيء رقم (3016)
وأخرجه البلاذري في فتوح البلدان 43، والبيهقي في السنن 6/ 317.
والرواية المتقدمة التي أخرجها أبو داود عن ابن المسيب وهذه الرواية تدلان على أن خيبر فتح بعضها عنوة وبعضها صلحاً، وبالرغم من ضعفهما إلا أنه قد ثبت ما يشهد لهما من غير طريق الزهري، فقد أخرج أبو داود من حديث ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل والأرض، وألجأهم إلى قصرهم، فصالحوه على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلْقة ولهم ما حملت ركابهم ... " الحديث أخرجه أبو داود رقم (3006) .
وما أخرجه من حديث سهل بن أبي خيثمة قال: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين نصفاً لنوائبه وحاجته، ونصفاً بين المسلمين ... ) الحديث أخرجه أبو داود
__________
(3010) ، وما أخرجه من حديث بشير بن يسار أنه سمع نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: فذكر هذا الحديث.
قال: فكان النصف سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعزل النصف للمسلمين لما ينوبه من الأمور والنوائب، انظر: السنن رقم (3011) .
وقد حكم الألباني على هذه الروايات بالصحة، انظر: صحيح سنن أبي داود رقم (2597) ورقم (2601) ورقم (2602) على التوالي.
فمن خلال ما تقدم نلحظ أن الروايات التي تذكر أن خيبر فتحت عنوة أقوى من من الروايات الأخرى التي ذكرت أن بعضها فتح عنوة وبعضها فتح صلحاً.
ولكن يظهر أن الخلاف في ذلك قديم، فقد قال البيهقي بعد أن ذكر حديث بُشير بن يسار المتقدم: قلت: وهذا لأن بعض خيبر فتح عنوةً وبعضها فتح صلحاً، فقسم ما فتح عنوة بين أهل الخمس والغانمين، وعزل ما فتح صلحاً لنوائبه وما يحتاج إليه في مصالح المسلمين، والله أعلم. أ. هـ. دلائل البيهقي4/236.
وقال النووي عند شرحه لحديث أنس الذي يفيد أن خيبر فتحت عنوة، قال: قال المازري: ظاهر هذاأن خيبر فتحت عنوة، وقد روى مالك عن ابن شهاب أن بعضها فتح عنوة وبعضها صلحاً، قال: وقد يشكل ما رُوي في سنن أبي داود أنه قسمها نصفين؛ نصفاً لنوائبه وحاجاته ونصفاً للمسلمين.
قال: وجوابه ما قال بعضهم: إنه كان حولها ضياع وقرى، أجلى عنها أهلها، فكانت خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم وما سواها للغانمين، فكان قدر الذي خلوا عنه النصف، فلهذا قسم القسمين. أ.هـ. النووي على شرح مسلم 12/ 164- 165.
وأما ابن عبد البر فقد اضطرب كلامه في كتابيه (الدرر) و (التمهيد) إلا أن يكون قد رجع عن أحد القولين فيحتاج حينئذ لمعرفة الكتاب المتأخر، هل هو الدرر أم التمهيد؟
__________
فقد قال في الدرر (235-236) : هذا هو الصحيح في أرض خيبر أنها كانت عنوة كلها مغلوباً عليها. وقال: وأما من قال: إن خيبر كان بعضها صلحاً وبعضها عنوة، فقد وهم وغلط، وإنما دخلت عليهم الشبهة بالحصنين اللذين أسلما أهلهما في حقن دمائهم، فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين ظن أن ذلك لصلح، ولعمري إن ذلك في الرجال والنساء والذرية، كضرب من الصلح، ولكنهم لم يتركوا أرضهم إلا بالحصار والقتال، فكان حكم أرضها حكم سائر أرض خيبر كلها عنوة غنيمة مقسومة بين أهلها. المصدر السابق.
وقال: وربما شبِّه على من قال: إن نصف خيبر صلح ونصفها عنوة بحديث يحيى ابن سعيد، عن بشير بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر نصفين، نصفاً له ونصفاً للمسلمين. المصدر السابق.
ثم قال: والحق: فالحق في هذا ما قاله ابن إسحاق دون ما قاله موسى بن عقبة وغيره عن ابن شهاب ا. هـ.
وأما ما ذكره في التمهيد فيختلف تماماً عما ذكره هنا قال رحمه الله: أجمع العلماء من أهل الفقه والأثر وجماعة أهل السير على أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحاً وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمها فما كان منها صلحاً أو أخذ بغير قتال كالذي جلا عنه أهله عمل في ذلك كله بسنة الفيء، وما كان منها عنوة عمل فيه بسنة الغنائم إلا أن ما فتح الله عليه منها عنوة، قسمه بين أهل الحديبية، وبين من شهد الوقعة، وقد رويت في فتح خيبر آثار كثيرة ظاهرها مختلف، وليس باختلاف عند العلماء على ما ذكرت لك. التمهيد 6/ 446.
ثم ذكر الأحاديث الدالة على أن خيبر فتحت عنوة والتي دلت على أن بعضها فتح صلحاً ثم قال: فهذا كله يدل على أن ما كان منها مأخوذاً بالغلبة قسم على أهل الحديبية ومن شهدها وخمس، وما كان منها مما انجلى عنه أهله وأسلموه بلا قتال، حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الفيء، واستخلص منه لنفسه كما فعل بفدك، فقف على هذا وتدبر الآثار تجدها على ذلك إن شاء الله. التمهيد 6/ 449.
,
125- عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري قال: لما انصرف1 رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المدينة فغزا خيبر من الحديبية2، فأنزل الله عليه: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} إلى قوله: {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} 3، فلما فتحت خيبر جعلها لمن غزا معه الحديبية، وبايع تحت الشجرة، ممن كان غائباً وشاهداً من أجل أن الله كان وعدهم إياها، وخمّس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، ثم قسم سائرها مغانم بين من شهدها من المسلمين ومن غاب4 عنها من أهل الحديبية5.
__________
1 أي: من الحديبية.
2 الصواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة من الحديبية فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم، انظر: ابن هشام 2/ 320، ودلائل النبوة للبيهقي 4/ 197، وزاد المعاد 3/ 317، والبداية والنهاية 4/ 181.
ويحتمل أن يكون المراد: أنه نوى غزو خيبر من الحديبية.
3 الآية من سورة الفتح رقم (20) .
4 ذكر ابن إسحاق أن خيبر قسمت على أهل الحديبية، من شهد خيبر ومن غاب عنها، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، ابن هشام 2/ 349
5 مصنف عبد الرزاق 5/ 372 رقم (9738) بسند صحيح إلى الزهري لكنه مرسل.
126- وقال ابن شبة: حدثنا عثمان1 بن عمر قال: حدثنا موسى2، عن الزهري، قال: بلغني أن الخمس كان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل مغنم غنمه المسلمون شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يقسم لغائبٍ من مغنمٍ إلا يوم خيبر؛ قسم لغيّب الحديبية من أجل أنه كان أعطى خيبر المسلمين من أهل الحديبية؛ قال الله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللهُ مغَانِمَ كثيرةً تأخذونها فعجّلَ لَكُمْ هَذِهِ} فكانت لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب، ولم يشهدها من الناس معهم غيرهم3.
127- وقال أبو داود: حدثنا ابن السرح4، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: "خمّس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، ثم قسم سائرها على من شهدها ومن غاب عنها من أهل الحديبية"5.
__________
1 عثمان بن عمر بن فارس العبدي، بصري، أصله من بخارى، ثقة، قيل: كان يحيى ابن سعيد لا يرضاه، من التاسعة، مات سنة تسع ومائتين، ع، التقريب 385.
2 موسى بن عقبة، ثقة، تقدم.
3 تاريخ المدينة 1/ 183. بسند صحيح إلى الزهري، لكنه مرسل.
4 أحمد بن عمرو بن عبد الله بن سرح، ثقة تقدم في الرواية رقم [118] .
5 سنن أبي داود 3/ 161، كتاب الخراج والإمارة والفيء رقم (3019) وقد حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 586 رقم (2608) .
المبحث الثاني عشر: في غزوة وادي القرى
128- أخرج البيهقي1 من طريق الواقدي2 قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز3، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى4، وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي5 قد وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبداً أسود
__________
1 دلائل النبوة 4/ 280- 281. والواقدي متروك، فالرواية ضعيفة.
2 الذي في مغازي الواقدي 2/ 709- 711 قوله: وكان أبو هريرة يحدث قال: (خرجنا ... ) فساقه بتمامه.
3 هو: عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان بن حنيف الأنصاري الأوسي أبو محمد المدني الأُمامي بالضم، صدوق يخطئ، من الثامنة، مات سنة اثنتين وستين وهو ابن بضع وسبعين، م، التقريب 345.
4 وادي القرى: واد بين المدينة والشام، وهو بين تيماء وخيبر فيه قرى كثيرة، ويعرف اليوم بوادي العلا، وهي مدينة عامرة شمال المدينة على قرابة (350) كيلاً، معجم البلدان 4/ 338، ومعجم المعالم الجغرافية 250.
5 رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي، قال ابن إسحاق: "قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية قبل خيبر فأسلم وحسن إسلامه، وأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم غلاماً". الإصابة 1/ 518.
يقال له مِدْعَم1، وكان يرحل2 لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أن نزلنا بوادي القرى انتهينا إلى يهود وقد ثوى3 إليها ناسٌ من العرب، فبينما مدعم يحطّ رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استقبلنا يهود بالرمي حيث نزلنا، ولم نكن على تعبئة، وهم يصيحون في آطامهم، فيقبل سهم عائر4 أصاب مدعماً فقتله، فقال الناس: هنيئاً له الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلا والذي نفسي بيده إن الشملة5 التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم يصبها المقسم لتشتعل عليه ناراً". فلما سمع بذلك الناس جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراكٍ6 أو
__________
1 هو: مدعم الأسود، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مولَّداً، أهداه رفاعة بن زيد الجذامي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أصابه سهم عائر فقتله.
وقال البلاذري:" يقال: إنه يكنى أبا إسلام، ويقال: إن أبا إسلام غيره، قال: ويقال: إنما أهداه فروة بن عمر الجذامي، الإصابة 3/ 394، ومِدْعَم: - بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة –"، الفتح (7/ 489) .
2 الرحل: مركب البعير، وارتحله حط عليه الرحل، القاموس، مادة (رحل) . والمعنى: أنه يشد الرحل على البعير إذا ارتحل وينزعه إذا ثوى.
3 وقد ثوى: المثوى المنزل، من ثوى بالمكان إذا أقام فيه. النهاية 1/ 230.
4 عائر: - بعين مهملة بوزن فاعل -، أي لا يُدرى من رمى به. الفتح 7/ 489.
5 الشملة: كساء يتغطى به ويتلفف فيه. النهاية 2/ 501.
6 الشراك: - بكسر المعجمة وتخفيف الراء -: سير النعل على ظهر القدم. الفتح 7/ 489.
شراكين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "شراك من نار أو شراكان من نار"1.
وعبّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال، وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد ابن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام، وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا2 أموالهم، وحقنوا3 دماءهم، وحسابهم على الله. فبرز رجلٌ منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه عليّ فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه أبو دجانة فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كلما قتل منهم رجلٌ دعا من بقي إلى الإسلام، ولقد كانت الصلاة تحضر يومئذٍ، فيصلي بأصحابه ثم يعود فيدعوهم إلى الله ورسوله. فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم، فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا بأيديهم، وفتحها عنوةً، وغنمه الله أموالهم، وأصابوا أثاثاً ومتاعاً كثيراً، فأقام رسول
__________
1 إلى هنا أخرجه البخاري (البخاري مع الفتح 7/ 487 رقم (4234) ومسلم رقم (115) ، وابن إسحاق (ابن هشام 2/ 38) ، ومالك (الموطأ 1/ 459 رقم 25) ، وأبو داود رقم (2711) ، والنسائي (7/ 24) وابن حبان رقم (4851) ، والبيهقي في السنن (9/ 100) ، والبغوي في شرح السنة رقم (2822) ، وفي معالم التنزيل (1/ 367) كلهم من حديث أبي هريرة من غير طريق الزهري، وبألفاظ فيها اختلاف يسير، والمعنى واحد.
2 أحرزوا يقال: أحرزت الشيء أحرزه إحرازاً: إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ. النهاية 2/ 366.
3 حقنوا دماءهم: يقال: حقنت له دمه إذا منعت من قتله وإراقته. النهاية 2/ 416.
الله صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام، وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى، وترك الأرض والنخل بأيدي يهود، وعاملهم عليها،
فلما بلغ يهود تيماء1 ما وطئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فَدَك2 ووادي القرى، صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية، وأقاموا بأيديهم وبأموالهم.
فلما كان عمر بن الخطاب أخرج يهود خيبر وفدك، ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى؛ لأنهما داخلتان في أرض الشام، ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز3، وأن ما وراء ذلك من الشام. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً بعد أن فرغ من وادي القرى وغنمه الله4.
__________
1 تيماء: مدينة تقع شمال المدينة على بعد (420) كيلاً. المعالم الأثيرة 74.
2 فدك: - بالتحريك وآخره كاف - معجم البلدان 4/ 238، وهي اليوم قرية شرقي خيبر على وادٍ يذهب سَيله مشرقاً إلى وادي الرُّمة، تعرف اليوم بالحائط. معجم المعالم الجغرافية ص 235.
3 الحجاز: مكة والمدينة والطائف ومخاليفها، لأنها حجزت بين نجد وتهامة أو بين نجد والسراة أو لأنها احتجزت بالحرار الخمس: حرة بني سليم، وواقم وليلى، وشوران، والنار. القاموس، مادة (حجز) .
4 ونقله الذهبي في تاريخ الإسلام، قسم المغازي 441، عن الواقدي قال: حديث عبد الرحمن بن عبد العزيز عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره. ونقله ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 218.
المبحث الثالث عشر: في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من خيبر ونومهم عن صلاة الصبح
129- قال الإمام مسلم: حدثني حرملة بن يحيى التُّجِيبي، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر1، سار ليله حتى إذا أدركه الكرى2 عرّس3، وقال لبلال: "اكلأْ لنا الليل"4، فصلى بلال ما قدِّر له، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما تقارب الفجر، استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر5، فغلبت بلالاً عيناه وهو مستندٌ إلى راحلته، فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلال، ولا أحدٌ من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظاً، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أي بلال"، فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ - بأبي أنت وأمي
__________
1 سيأتي أن ذلك قد وقع في غزوات أخرى.
2 أدركه الكرى: أي النوم. النهاية 4/ 170.
3 التعريس: نزول المسافر آخر الليل، نزلة للنوم والاستراحة. النهاية 3/ 206.
4 الكلاءة: الحفظ والحراسة. النهاية 4/ 194.
5 مواجه الفجر: أي مستقبله بوجهه. شرح النووي على مسلم 5/ 182.
يا رسول الله - بنفسك، قال: "اقتادوا"1 فاقتادوا رواحلهم شيئاً، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: "من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله قال: {َأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} 2".
__________
1 اقتادوا: أي جروا رواحلكم خلفكم. النهاية 4/ 119.
2 الآية من سورة طه رقم (14) .
والحديث أخرجه أيضاً أبو داود رقم (435) في الصلاة: باب من نام عن الصلاة أو نسيها. ومن طريقه أخرجه أبو عوانة 2/ 253، والبيهقي في السنن 1/ 403 و2/ 217، وفي الدلائل 4/ 272.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه 5/ 422 رقم (2069) ، وأخرجه ابن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلاً، ابن هشام 2/ 340، وأخرجه مالك في الموطأ 1/ 13، كتاب وقوت الصلاة، باب النوم عن الصلاة عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلاً، ومن طريقه أخرجه الشافعي في المسند 1/ 55 رقم (162) .
وقد وردت روايات أخرى من غير طريق الزهري أن ذلك كان زمن الحديبية، انظر: سنن أبي داود رقم (447) ، ومسند أحمد 6/ 170، رقم [3657] أرناؤوط، وابن أبي شيبة 2/ 64، والطبري في تفسيره 26/ 69، والبيهقي في الدلائل 4/ 274- 275.
وورد أيضاً أن ذلك كان في غزوة تبوك، انظر: مغازي الواقدي 3/ 1015، عن عقبة بن عامر، ودلائل البيهقي 4/ 275.
ويمكن الجمع بين الروايات بالقول بتعدد القصة، انظر: شرح النووي على مسلم 5/ 181- 182، وفتح الباري 1/ 449، وانظر: مرويات غزوة الحديبية للحكمي ص 243 وما بعدها.
قال يونس: وكان ابن شهاب يقرؤها: "للذكرى"1.
__________
1 صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 181.