وبنى بها مسجد (قباء) ، وهو المسجد الّذي أسّس على التّقوى، ولا يخفى أنّه من تفسير عائشة رضي الله عنها لقوله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى [سورة التّوبة 9: 108] وهو نكرة، صادق على كلّ مسجد بني في ابتداء الهجرة، لكن يعارض تفسير عائشة تفسيره صلى الله عليه وسلم كما في «صحيح مسلم والتّرمذيّ» ، أنّ رجلين اختلفا في المسجد الّذي أسّس على التّقوى، فسألا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال:
«هو مسجدي هذا» «1» . وهو الصّواب، والله أعلم.
[أوّل مولود ولد بعد قدوم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة]
وفي «صحيح البخاريّ» عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ولدت عبد الله بن الزّبير ب (قباء) ، وكان أوّل مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة «2» .
[أوّل من مات بالمدينة]
وفيه-[أي: صحيح البخاريّ]- عن أمّ العلاء: إنّ أوّل من مات ب (المدينة) : عثمان بن مظعون، وهو خال حفصة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما «3» .
[بناء المسجد النّبويّ]
ولمّا بنى مسجده صلى الله عليه وسلم كان ينقل اللّبن «4» مع أصحابه ويرتجز معهم.
__________
(1) أخرجه مسلم، برقم (1398/ 514) . والتّرمذيّ برقم (323) . عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاريّ، برقم (3697) .
(3) أخرجه البخاريّ، برقم (3714) . قلت: مات عثمان بن مظعون- بعد أن شهد بدرا- في شعبان على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة، أي: بعد سنتين من هجرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وبذلك لا يكون أوّل من مات بالمدينة. أمّا أوّل من مات بالمدينة: فكلثوم بن الهدم وأسعد بن زرارة رضي الله عنهما.
(4) اللّبن: بكسر الباء وتسكينها، وكذلك اللّبن: بفتح اللام وكسر الباء: ما يضرب من الطّين مربّعا للبناء.
وفي «الصّحيحين» ، عن أنس رضي الله عنه قال: لمّا قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلّم (المدينة) ، نزل في أعلى (المدينة) ، في حيّ يقال لهم:
بنو عمرو بن عوف، فأقام النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فيهم أربع عشرة ليلة، ثمّ أرسل إلى ملإ من بني النّجّار- لمّا أمر ببناء المسجد- فقال: «يا بني النّجّار، ثامنوني بحائطكم هذا» «1» ، فقالوا: لا، والله لا نطلب ثمنه إلّا إلى الله، فأبى أن يقبله منهما هبة حتّى ابتاعه منهما، ثمّ بناه مسجدا، وكان فيه قبور المشركين، وفيه خرب، وفيه نخل، فأمر النّبيّ بقبور المشركين فنبشت، ثمّ بالخرب فسوّيت، وبالنّخل فقطع، فصفّوا النّخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه الحجارة، وجعلوا ينقلون الصّخروهم يرتجزون، والنّبيّ صلى الله عليه وسلّم معهم، وهو يقول:
«اللهمّ لا خير إلّا خير الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره» «2»
وفي رواية: «فانصر الأنصار والمهاجره» «3» .
قال ابن شهاب: ولم يبلغنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم/ تمثّل ببيت شعر تامّ غير هذه الأبيات «4» .
[