وفي ذلك الوقت أسلم الشهم الهمام عمر بن الخطاب العدوي القرشي «4» بعد ما كان عليه من كراهية المسلمين وشدّة أذاهم، قالت ليلى «5» : - إحدى المهاجرات لأرض الحبشة مع زوجها- كان عمر بن الخطاب من أشد الناس علينا في إسلامنا، فلمّا ركبت بعيري أريد أن أتوجّه إلى أرض الحبشة إذا أنابه، فقال لي: إلى أين يا أم عبد الله؟ فقلت قد اذيتمونا في ديننا، نذهب في أرض الله
__________
(1) في فتح الباري أن الهجرة وقعت مرتين، وذكر أهل السير أن الأولى كانت في شهر رجب من سنة خمس من المبعث، فان أول من هاجر أحد عشر رجلا وأربع نسوة.
(2) وممن خرج من بني هاشم جعفر بن أبي طالب معه امرأته أسماء بنت عميش ولدت له بأرض الحبشة عبد الله بن جعفر.
(3) عن ابن عباس أنه قال: «أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة وثلاثون رجلا وامرأة. ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين» .
(4) ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة وكان تاجرا مشهورا من أشراف قريش، وكانت إليه السفارة في الجاهلية. وكان إسلامه في السنة السادسة من النبوّة، وسمّاه الرسول صلّى الله عليه وسلّم الفاروق، وهو ثاني الخلفاء الراشدين، وطعن عمر يوم الأربعاء سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح المشهور.
(5) أسلمت قديما وبايعت، كانت من المهاجرات الأول، هاجرت الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة، يقال إنها أول ظعينة دخلت المدينة في الهجرة.
حيث لا نؤذى، فقال: صحبكم الله، فلما جاء زوجي عامر أخبرته بما رأيت من رقة عمر، فقال ترجين أن يسلم والله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب! وذلك لما كان يراه من قسوته وشدّته على المسلمين، ولكن حصلت له بركة دعوة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم فإنه قال قبيل إسلامه: «اللهم أعز الإسلام بعمر «1» وكان إسلامه في دار الأرقم بن أبي الأرقم التي كان المسلمون يجتمعون فيها وقد حقّق الله بإسلامه ما رجاه عليه الصلاة والسلام، فقد قال عبد الله بن مسعود من رواية البخاري (ما زلنا أعزّة منذ أسلم عمر) فإنه طلب من رسول الله أن يعلن صلاته في المسجد ففعل، وقد أدرك الكفار كابة شديدة حينما رأوا عمر أسلم، وكانوا قد أرادوا قتله حتى اجتمع جمع حول داره ينتظرونه، فجاء العاص بن وائل السّهمي (وهو من بني سهم حلفاء بني عدي قوم عمر) وعليه حلّة حبرة «2» وقميص مكفوف بحرير، فقال لعمر: ما بالك؟ فقال: زعم قومك أنهم سيقتلونني ان أسلمت. قال: لا سبيل إليك فأنا لك جار، فأمن عمر. وخرج العاص فوجد الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ. قال: لا سبيل إليه. فرجع الناس من حيث أتوا «3» .