قال جابر بن عبد الله: كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل، فكان عليه الصلاة والسلام إذا خطب يقوم إلى
__________
(1) حديث معاذ رواه مالك بن الموطأ وأخره مسلم في الفضائل و (تبض) تسيل (الشراك) وهو سير النعل ومعناه ماء قليل جدّا (جنانا) أي بساتين وعمرانا. وقد تحققت وأصبحت تبوك الان من أفضل المناطق الزراعية في السعودية.
(2) رواه مسلم (الميضأة) : هي الإناء الذي يتوضأ به (فجعلها في ضبنه) ، أي حضنه.
(3) رواه الشيخان (أبو طلحة) زوج أم سليم.
(4) رواه الشيخان والعناق: الأنثى من ولد المعز. والبرمة: القدر من الحجارة. تغط: تغلي بالطعام، ويسمع صوت غليانها.
(5) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني، وفي اسناده من لم أعرفه.
جذع منها، فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار. وفي رواية أنس: حتى ارتجّ المسجد بخواره. وفي رواية سهل: وكثر بكاء الناس لما رأوه به «1» . وفي رواية المطلب: حتى تصدّع وانشق، حتى جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم فوضع يده عليه فسكت. زاد غيره: فقال عليه الصلاة والسلام «إنّ هذا بكى لما فقد من الذكر» «2» ، وزاد غيره: «والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة تحزّنا على رسول الله، فأمر به فدفن تحت المنبر» . وهذا الحديث خرّجه أهل الصحة. ورواه من الصحابة كثيرون ورواه عنهم من التابعين ضعفهم. وبمن دون عدتهم يقع العلم لمن عني بهذا الباب. والله المثبّت على الصواب.
,
فقد أصيبت يوم أحد عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته. فردّها علي الصلاة والسلام، فكانت أحسن عينيه «3» وأحدّهما، وبصق على أثر سهم في وجه أبي قتادة في يوم ذي قرد. فما ضرب عليه ولا قاح «4» . وأصاب ابن ملاعب الأسنّة استسقاء، فبعث إلى النبي عليه الصلاة والسلام. فأخذ بيده حثوة من الأرض، فتفل عليها، ثم أعطاها رسوله، فأخذها متعجّبا يرى أنه قد هزىء به، فأتاه بها، وهو على شفا فشربها، فشفاه الله «5» . وتقدّم حديث علي ورمده في غزوة خيبر وغير ذلك كثير مما يعجز قلمنا عن عدّه، ورواه ثقات المسلمين الأعلام.
أما ما منحه الله إياه من إجابة دعواته، فروي عن أنس بن مالك قال: قالت أمي سليم: يا رسول الله خادمك أنس، أدع الله له، فقال: «اللهم أكثر ماله
__________
(1) منهم أبي بن كعب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وسهل بن سعيد وأبو سعيد الخدري وبريدة وأم سلمة والمطلب بن أبي وداعة كلهم حدث بمعنى هذا الحديث وروى حديث الجذع البخاري عن جابر بن عبد الله وقد وصلت أحاديث حنين الجذع إلى درجة التواتر.
(2) أخرجه أحمد وابن خزيمة في صحيحه.
(3) رواه ابن اسحاق في سيرته والبيهقي في الدلائل ووصله أبو نعيم، دلائل النبوّة وأبو يعلي كلاهما من طريق عاصم عن عمر بن قتادة عن أبيه عن قتادة بن النعمان: وقال السيوطي في المناهل ووصله ابن عدي والبيهقي عن عاصم عن جده قتادة وذكره الهيثمي في المجمع وقال رواه الطبراني وأبو يعلي وفي اسناد الطبراني من لم أعرفهم وفي اسناد أبي يعلى عبد الحميد الحماني وهو ضعيف.
(4) رواه الحاكم والبيهقي في الدلائل والواقدي في المغازي. قوله (ولا قاح) : قاح الجرح: صار فيه القح.
(5) حديث مرسل قال السيوطي في المناهل: رواه الواقدي وأبو نعيم في الدلائل (ملاعب الأسنّة) هو عامر ابن مالك (استسقاء) الاستسقاء: تجمع سائل مصلي في التجويف البريتونى لا يكاد يبرأ منه (حثوة) أي قبضة (يرى) : يعتقد (وهو على شفا) : أي قارب الهلاك.
وولده، وبارك فيه فيما اتيته» ، قال أنس: فو الله إنّ مالي لكثير، وإنّ ولدي وولد ولدي ليعادّون اليوم نحو المائة «1» ، ودعا لعبد الرحمن بن عوف بالبركة فكان نصيب كل زوجة من زوجاته الأربع من تركته ثمانون ألفا. وتصدّق مرّة بعير «2» فيها سبعمائة بعير. وردت عليه تحمل من كل شيء، فتصدّق بها وبما عليها وبأقتابها وأحلاسها «3» .
ودعا لمعاوية بالتمكين في الأرض فنال الخلافة «4» . ودعا لسعد بإجابة الدعوة. فما دعا على أحد إلّا استجيب له «5» . وتقدم دعاؤه لعمر بن الخطاب أن يعزّ الإسلام به «6» . وقال لأبي قتادة: أفلح وجهك، اللهم! بارك في شعره وبشره، فمات وهو ابن سبعين سنة، كأنه ابن خمس عشرة «7» . ودعواته عليه الصلاة والسلام المستجابة أكثر من أن تحصى يطّلع عليها قارىء سيرتنا هذه.
أما ما أطلعه الله عليه من علم ما لم يكن فمما سارت به الركبان فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقاما. فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدّثه، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء فأعرفه فأذكره، كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا راه عرفه «8» . وما أدري أنسي أصحابي أم تناسوه، والله ما ترك عليه الصلاة والسلام من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدّنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا إلا قد سمّاه لنا باسمه، واسم أبيه وقبيلته «9» . وقد خرّج أهل الصحيح والأئمة ما أعلم به أصحابه ممّا وعدهم به من الظّهور على أعدائه «10» ،
__________
(1) أخرجه مسلم (ليعادون) أي ليزيدون.
(2) العير: ما جلب عليه الطعام من قوافل الإبل والبغال والحمير.
(3) أحلاسها: الجلس: كل ما ولي ظهر الدابة تحت الرحل والقتب والسرج.
(4) رواه البيهقي في الدلائل وقال إسماعيل بن إبراهيم هذا ضعيف عند أهل المعرفة بالحديث غير أن لهذا الحديث شواهد. ونسبه في المناهل إلى ابن سعد.
(5) رواه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
(6) رواه الترمذي وأحمد وغيره من حديث ابن عمر وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب.
(7) رواه الحاكم والبيهقي في الدلائل.
(8) رواه أبو داود والبخاري ومسلم.
(9) رواه أبو داود وفي إسناده عبد الله بن فروخ، قال المنذري: وقد تكلم فيه غير واحد.
(10) رواه البخاري من حديث خبّاب ... «وليتمّنّ الله هذا الأمر ... حتى يسير الراكب» ..
وفتح مكّة «1» ، وبيت المقدس «2» ، واليمن، والشام، والعراق، وظهور الأمن، حتى تظعن المرأة من الحيرة إلى مكة، لا تخاف إلّا الله «3» . وإنّ المدينة ستغزى «4» .
وتفتح خيبر على يد علي في غد يومه «5» . وما يفتح الله على أمّته من الدّنيا.
ويؤتون من زهرتها «6» . وقسمتهم كنوز كسرى وقيصر «7» . وقد قدّمنا كثيرا من ذلك في هذه السيرة. وقدمنا ما في القران من ذلك. وهذا يغنينا عن الإطالة في هذا المقام فحسبك ما سمعت.
ومما ينير بصيرتك أيها القارىء ما منّ الله به على رسولنا من عصمته له من النّاس. وكفايته من اذاه قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ «8» وقال وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا «9» وقال: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ «10» وقال: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ «11» ، ولمّا نزل: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ صرف حجابه. وقال:
انصرفوا فقد عصمني ربي عزّ وجلّ «12» . وقدّمنا حديث دعثور وإرادته قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم. وعصمة الله لنبيّنا. وذكرنا كثيرا مما حصل من أبي جهل لما أراد بالرسول المكايد. فكفاه الله شرّه. وما منّ به عليه ليلة الهجرة. وحديث سراقة في الطريق، وعلى الجملة فيكفينا من هذا الباب أنه عليه الصلاة والسلام مكث بين أعداء الدّاء بمكّة ثلاث عشرة سنة، وبين مشابهيهم من المنافقين واليهود عشر سنين. فما تمكّن أحد من إيصال أذى إليه صلّى الله عليه وسلّم بل كفاه مولاه شرّ أعدائه حتى أظهر الدّين وتمّمه.
والحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافىء مزيده. ونسأله أن يوفق قارئي هذه السيرة إلى اتّباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى أصحابه وأنصاره.
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه البخاري (تظعن) ترتحل (الحيرة) بلد في العراق بين النجف والكوفة.
(4) رواه الشيخان.
(5) رواه الشيخان وله طرق أخرى عن عدد من الصحابة.
(6) رواه الشيخان.
(7) رواه الشيخان.
(8) سورة المائدة اية 67.
(9) سورة الطور اية 48.
(10) سورة الزمر اية 36.
(11) سورة الحجر اية 95.
(12) رواه الترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسنه الحافظ في الفتح.
المحتوى
مقدّمة الطبعة الثالثة 3
النسب الشريف 6
زواج عبد الله بامنة وحملها 9
الرضاع 10
حادثة شق الصدر 11
وفاة امنة وكفالة عبد المطلب ووفاته وكفالة أبي طالب 11
السفر إلى الشام (المرة الأولى) 13
حرب الفجار 13
حلف الفضول 14
رحلته إلى الشام (المرّة الثانية) 15
زواجه خديجة 15
بناء البيت 16
معيشته عليه الصلاة والسلام قبل البعثة 18
سيرته في قومه قبل البعثة 19
ما أكرمه الله به قبل النبوّة 20
تبشير التوراة به 21
تبشير الإنجيل 23
حركة الأفكار قبل البعثة 24
بدء الوحي 25
فترة الوحي 28
عود الوحي 28
الدعوة سرا 29
الجهر بالتبليغ 35
الإيذاء 38
إسلام حمزة 43
هجرة الحبشة الأولى 51
إسلام عمر 51
رجوع مهاجري الحبشة 52
كتابة الصحيفة 55
هجرة الحبشة الثانية 55
نقض الصحيفة 56
وفود نجران 57
وفاة خديجة رضي الله عنها 58
زواج سودة 58
زواج عائشة رضي الله عنها 59
هجرة الطائف 60
الاحتماء بالمطعم بن عديّ 62
وفد دوس 62
الاسراء والمعراج 63
العرض على القبائل 66
بدء إسلام الأنصار 67
العقبة الأولى 67
العقبة الثانية 69
هجرة المسلمين إلى المدينة 70
دار الندوة 71
هجرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم 72
النزول بقباء 75
هجرة الأنبياء 76
أعمال مكّة 76
مسجد قباء 77
الوصول إلى المدينة 78
أول جمعة 78
النزول على أبي أيوب 79
نزول المهاجرين 80
إخوة الإسلام 80
هجرة أهل البيت 81
حمّى المدينة 81
منع المستضعفين من الهجرة 81
بدء الأذان 84
يهود المدينة 86
المنافقون 87
معاهدة اليهود 88
مشروعية القتال 88
بدء القتال 90
سرية عبيدة بن الحارث 90
سرية 91
وفيات 91
السنة الثانية غزوة ودان 93
غزوة بواط 93
غزوة العشيرة 94
غزوة بدر الأولى 94
سرية عبد الله بن جحش 95
تحويل القبلة 96
صوم رمضان 96
صدقة الفطر 97
زكاة المال 97
غزوة بدر الكبرى 97
أسرى بدر 107
الفداء 108
العتاب في الفداء 112
غزوة قينقاع 113
جلاء قينقاع 114
غزوة السّويق 114
صلاة العيد 115
زواج علي بفاطمة عليهما السّلام 115
السنة الثالثة 116
قتل كعب بن الأشرف 116
غزوة غطفان 118
غزوة بحران 118
سرية زيد بن حارثة إلى القردة 119
غزوة أحد 119
غزوة حمراء الأسد 127
حوادث 128
سرية أبي سلمة إلى قطن 130
سرية بئر معونة 132
غزوة بني النضير 133
غزوة ذات الرقاع 134
غزوة بدر الاخرة 135
حوادث 136
غزوة بني المصطلق 137
حديث الإفك 140
غزوة الخندق 144
الخدعة في الحرب 147
هزيمة الأحزاب 148
غزوة بني قريظة 149
زواج زينب بنت جحش 151
الحجاب 153
فرض الحج 156
غزوة بني لحيان 158
غزوة الغابة 158
سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر 159
سرية محمد بن سلمة إلى دي القصة 160
سرية زيد بن حارثة إلى الجموم 160
سرية زيد بن حارثة إلى العيص 161
سرية زيد بن حارثة إلى الطرف 161
سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى 161
سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل 162
سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد 162
قتل أبي رافع 163
سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن رزام 164
قصة عكل وعرينة 164
سرية عمر بن أميه الضمري إلى أبي سفيان 165
غزوة الحديبية 166
بيعة الرضوان 169
صلح الحديبية 169
مكاتبة الملوك 172
كتاب قيصر 173
حديث أبي سفيان 173
كتاب أمير بصرى 175
كتاب الحارث بن أبي شمر 175
كتاب المقوقس 175
كتاب النّجاشي 176
كتاب كسرى 177
كتاب المنذر بن ساوى 178
كتاب ملكي عمان 178
كتاب هوذة بن علي 179
زواج صفية 183
النهي عن نكاح المتعة 183
رجوع مهاجري الحبشة 184
فتح فدك 184
صلح تيماء 184
فتح وادي القرى 184
إسلام خالد ورفيقيه 185
سرية عمر بن الخطاب إلى تربة 185
سرية بشير بن سعد 186
سرية بشير إلى بني مرة 186
سرية بن سعد إلى يمن وجبار 187
(عمرة القضاء) 187
زواج ميمونة 188
السنة الثامنة 189
سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح 189
سرية غالب بن عبد الله بشير بن سعد بفدك 190
غزوة مؤتة 190
سرية كعب بن عمير الغفاري 192
إلى ذات اطلاح سرية الخبط 193
غزوة الفتح الأعظم 194
العفو عند المقدرة 199
وفود كعب بن زهير 202
بيعة النساء 203
هدم العزّى 203
هدم سواع 203
هدم مناة 203
غزوة حنين 204
سرية أبي عامر الأشعري 207
غزوة الطائف 207
تقسيم السبي 209
وفود هوازن 211
عمرة الجعرانة 212
سرية قيس بن سعد إلى صداء 213
وفود صداء 213
سرية عيينة بن حصن إلى بني تميم 213
وفود تميم 213
سرية الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق 214
سرية علقمة بن مجزر إلى 215
طائفة بن الحبشة وفود عدي بن حاتم 217
غزوة تبوك 217
وفود صاحب أيلة 220
كتاب أهل أذرح وجرباء 221
مسجد الضّرار 221
حديث الثلاثة الذين خلّفوا 222
وفود ثقيف 222
كتاب أهل الطائف 223
هدم اللّات 224
حج أبي بكر 224
وفاة ابن أبي 225
وفاة أم كلثوم 225
سرية علي بن أبي طالب 226
إلى بن مذحج بعث العمال إلى اليمن 227
حجة الوداع 227
خطبة الوداع 228
الوفود 230
وفود نجران 230
وفود ضمام بن ثعلبة 231
وفود عبد القيس 232
وفود بني حنيفة 233
وفود طيء 233
وفود كندة 233
وفود أزدشنوءة 234
وفود رسول ملوك حمير 234
كتاب ملوك حمير 234
وفود همدان 235
وفود تجيب 236
وفود ثعلبة 236
وفود بني سعد بن هذيم 237
وفود بني فزارة 237
وفود بني أسد 238
وفود بني عذرة 239
وفود بني محارب 239
وفود غسّان 239
وفاة إبراهيم بن النّبي عليه السلام 239
السنة الحادية عشر 240
سرية أسامة بن زيد إلى 240
أهل أبني مرض الرسول صلّى الله عليه وسلّم 241
صلاة أبي بكر بالناس 241
وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 243
شمائله عليه السلام 244
معجزاته عليه السلام 264
المحتوى 276