لمّا أهلّ شعبان هذا العام كان موعد أبي سفيان، فإنه بعد انقضاء غزوة أحد قال للمسلمين: موعدنا بدر العام المقبل، فأجابه الرسول إلى ذلك. وكان بدر محل سوق تعقد كل عام للتجارة في شعبان يقيم التجار فيه ثمانيا. فلمّا حلّ الأجل، وقريش مجدبون، لم يتمكّن أبو سفيان من الإيفاء بوعده، فأراد أن يخذل المسلمين عن الخروج كيلا يوسم بخلف الوعد، فاستأجر نعيم بن مسعود الأشجعي «3» ليأتي المدينة ويرجف بما جمعه أبو سفيان من الجموع العظيمة، فقدم نعيم المدينة وقال للمسلمين: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ «4» ، ولم يلتفت عليه الصلاة والسلام لهذا الإرجاف اتّكالا على ربه بل خرج بألف وخمسمائة من أصحابه، واستخلف على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي «5» . ولم يزالوا سائرين حتى أتوا بدرا، فلم
__________
(1) قال ابن اسحاق: استعمل على المدينة أبا ذر.
(2) روى أحمد والشيخان وأصحاب السنن الثلاثة- عمن صلّى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم ذات الرقاع- أن طائفة صفت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وطائفة وجاه العدو- أي تجاهه مراقبة له- فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما فأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الاخرى، فصلّى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، فأتموا لأنفسهم فسلم بهم.
(3) يكنى أبا سلمة صحابي مشهور له ذكر في البخاري أسلم ليالي الخندق، وهو الذي أوقع الخلف بين الحيين قريظة وغطفان في وقعة الخندق، قتل أول خلافة علي قبل قدومه البصرة في وقعة الجمل.
(4) سورة ال عمران اية 173.
(5) ابن سلول، وكان أبوه رأس المنافقين، وكان اسم هذا الحباب وبه يكنى أبوه فسماه النبي صلّى الله عليه وسلّم عبد الله. وشهد بدرا وأحدا والمشاهد، ويقال إنه أستأذن النبي في قتل أبيه فقال بل أحسن صحبته فلما مات
يجدوا أحدا لأن أبا سفيان أشار على قريش بالخروج على نية الرجوع بعد مسير ليلة أو ليلتين ظانا أن إرجاف نعيم يفيد فيكون المخلف هم المسلمون، فسار حتى أتى مجنّة وهي سوق معروفة من ناحية مرّ الظهران «1» فقال لقومه: إن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلّا عام عشب فارجعوا، أما المسلمون فأقاموا ببدر لا يشاركهم في تجارته أحد فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ «2» ولما سمع بذلك صفوان بن أمية قال لأبي سفيان: قد والله نهيتك أن تعد القوم قد اجترؤوا علينا ورأوا أنّا أخلفناهم.