وتدور عجلة التاريخ مسرعة، ويأتي زمن الخليفة العبقري الملهم عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فيفتح الله على المسلمين بلاد فارس ومنها المدائن، ويثلّ عرش كسرى، ويؤتى بالغنائم، وفيها سوارا كسرى، وتاجه، وبساطه، وجواهره الغالية التي قدّرت بألوف الألوف من الدراهم والدنانير، ويقف الفاروق متعجبا من أمانة الجند وقوادهم، فيقول: «إن قوما أدّوا هذا لذوو أمانة» !! فيقول له علي- رضي الله عنه-: «إنك عففت فعفّت الرعية» !! ويقسم عمر الغنائم بين المسلمين، ويتعفف عنها فلم ينله منها شيء.
ويتذكر عمر والمسلمون نبوءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومقالته لسراقة، فأتى به، وألبسه سواري كسرى، وكان سراقة رجلا أزب «1» ، وقال له «قل: الله أكبر،
__________
(1) أي كثير شعر الذراعين.
الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابيا من بني مدلج» ورفع بها عمر صوته، ثم أركب سراقة، وطيف به المدينة، والناس حوله، وهو يرفع عقيرته مرددا قول الفاروق: الله أكبر، الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابيا من بني مدلج!!
وكان يوما مشهودا من أيام المدينة الخالدة، وهكذا صدق الله وعده، ونصر جند الإسلام المتقين، وجعل وراثة الأرض لعباده الصالحين.
من تفاؤل النبي صلّى الله عليه وسلّم
وقد روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ هو والركب بإبل لمالك بن الأوس الأسلمي بالجحفة ومعها غلام راع، فقال: «لمن هذه» ؟ قال: لرجل من أسلم، فالتفت إلى أبي بكر وقال: «سلمت إن شاء الله» قال: «ما اسمك» ؟ قال:
مسعود، فالتفت إلى أبي بكر، وقال: «سعدت إن شاء الله» «1» وقد كان من خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه يحب التفاؤل، ويكره التشاؤم.