وبعد موت أم النبي صلّى الله عليه وسلّم كفله جده عبد المطلب، وضمّه إليه، ورقّ عليه رقّة لم يرقّها على ولده، وكان يقربه منه ويدنيه، ويدخل عليه إذا خلا، وإذا نام، ولا يأكل طعاما إلا يقول: «عليّ بابني» فيؤتى به إليه، وبذلك عوّضه الله بحنان جده عن حنان الأبوين، وكانت حاضنته بعد وفاة أمه هي أم أيمن «1» ، وكان النبي لما كبر يعرف لها ذلك ويقول: «هي أمي بعد أمي» وكان عبد المطلب كثيرا ما يقول لها: يا بركة لا تغافلي عن ابني، فإني وجدته مع غلمان قريب من السدرة، وإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبيّ هذه الأمة.
وكان الجد يسر لما يرى من مخايل الشرف والعزة على حفيده محمد، فقد كان لعبد المطلب فراش يوضع في ظل الكعبة، وكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يأتي وهو غلام يافع فيجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب، والغبطة تملأ نفسه: «دعوا ابني، فو الله إن له لشأنا!!» ثم يجلسه معه على فراشه، ويمسح ظهره بيمينه، ويضمّه إليه.
فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى ابنه أبا طالب «2» بكفالة النبي وحياطته، ثم مات عبد المطلب، ودفن بالحجون، وكانت سن النبي ثماني سنين.