لما انهزمت هوازن وثقيف ذهبت فرقة منهم فيها رئيسهم مالك بن عوف فلجأوا إلى الطائف فتحصنوا بها، وسارت فرقة أخرى فعسكروا بمكان يسمى (أوطاس) «1» ، وتوجهت فرقة ثالثة نحو نخلة «2» ، وهم بنو غيرة من ثقيف، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثار من توجه قبل أوطاس سرية وأمّر عليهم أبا عامر الأشعري، فلما التقوا تناوشوا القتال، وقد أبلى أبو عامر بلاء حسنا حتى قيل:
إنه قتل تسعة منهم، ثم رماه أحدهم بسهم فأثبته في ركبته فعجز عن القتال، فاستخلف على السرية ابن أخيه: «3» أبا موسى الأشعري، فقتل قاتل عمه.
ولم يلبث أبو عامر أن مات من جرحه بعد أن أوصى أبا موسى أن يقرىء رسول الله منه السلام، وأن يستغفر له، وقاتل أبو موسى القوم حتى هزمهم، فلما رجع بعد الموقعة أخبر الرسول بخبر عمه فدعا له ولأبي موسى رضي الله عنهما.
,
وفي يوم أوطاس أصاب المسلمون سبايا لهن أزواج من أهل الشرك، فتأثّم أناس من أصحاب رسول الله من غشيانهن وكفوا، فأنزل الله هذه الاية:
__________
(1) أوطاس: واد في ديار هوازن.
(2) مكان بين مكة والطائف.
(3) وهم ابن إسحاق فقال إنه ابن عمه، والذي في صحيح البخاري أن أبا عامر عم أبي موسى، وهو الصحيح
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ «1» .
فاستحلوا فروجهنّ «2» .
وقد استدلّ جماعة من السلف على إباحة الأمة المشركة بهذه الاية، وخالفهم الجمهور فقالوا: هذه قصة عين فلعلهن أسلمن أو كنّ كتابيات.
__________
(1) سورة النساء: الاية 24.
(2) رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي.
غزوة الطّائف «1»
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتهيؤ للمسير إلى الطائف حيث ذهب إليها مالك بن عوف رئيس المشركين في حنين في فلول من الجيش المنهزم، وكانت الطائف مدينة محصنة لها أبواب تغلق عليها كأكثر مدن العرب في ذلك العهد، وكان أهلها ذوي دراية بحرب الحصار، وذوي ثروة طائلة جعلت حصونهم من أمنع الحصون.
فسار إليهم رسول الله في جيش كثيف في شوال سنة ثمان حتى نزل قريبا من حصونها، فضرب به عسكره، فصار أهل الطائف يرمون بالنبل من فوق حصونهم، فأصابوا عددا من المسلمين، فتأخر إلى الموضع الذي يوجد فيه مسجد الطائف الذي بنته ثقيف لما أسلمت بعد، وكان مع رسول الله من نسائه أم سلمة وزينب بنت جحش، فضرب لهما قبتين، فكان يصلي بينهما بأصحابه، ومكث المسلمون حول الحصون بضعا وعشرين ليلة، وقيل سبع عشرة ليلة يترامون هم وأهل الطائف بالنبال والسهام.