كان كعب بن الأشرف «1» شديد العداوة للإسلام ورسوله، ولما هزم المشركون ببدر قال: (لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها) ، ثم خرج إلى مكة يندب من مات، ويحرض على رسول الله والمسلمين، ولما عاد إلى المدينة صار يشبّب «2» بنساء المسلمين، ويقذع في هجاء النبي وأصحابه، فقال رسول الله: «من لكعب بن الأشرف، فإنه اذى الله ورسوله؟» ، فقال محمد بن مسلمة الأنصاري الأوسي: أنا، وقال: ائذن لي أن أقول شيئا فيك، فقال له النبي: «قل» .
وانضم إليه نفر من قومه، منهم: أبو نائلة وكان أخا كعب من الرضاع، وعبّاد بن بشر بن وقش، والحارث بن أوس، فاجتمعوا فيما بينهم كي يحكموا الخطة لاغتيال عدو الله كعب، فخرج حتى أتى كعبا، فوقع في الرسول حتى ركن إليه كعب، واستسلفه وسقا أو وسقين، فقال: نعم ولكن ارهنوني قال: أي شيء تريد؟ قال: نساءكم!! قالوا: وكيف وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم!! قالوا: كيف نرهنك أبناءنا، فتكون مسبة وعارا علينا، ولكن نرهنك السلاح- وذلك حتى لا ينكر منهم مجيئهم بالسلاح- فواعده أن يأتيه ليلا بالسلاح.
__________
(1) قال ابن إسحاق وغيره: كان عربيا من بني نبهان، وهم بطن من طيّىء، وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية، فأتى المدينة فحالف بني النضير، فشرف فيهم وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا، وكان طويلا جسيما له بطن وهامة.
(2) التشبيب: ذكر محاسن النساء والتعرض لهن.
فخرج محمد بن مسلمة ومعه أبو نائلة وصحبه وكلهم من الأوس حتى أتوه، فناداه محمد بن مسلمة وأبو نائلة، فأراد أن ينزل فقالت له امرأته: أين تخرج الساعة؟ إني أسمع صوتا يقطر منه الدم؟! فقال لها: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة «1» ، إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب، ثم قال محمد: إذا جاء فساخذ بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت منه فاضربوه، فنزل كعب إليهم متوشحا سيفه، وهو ينفح منه ريح المسك، فقال له محمد:
ما رأيت كاليوم ريحا أطيب، أتأذن لي أن أشم رأسك؟ قال: نعم، فشمه وكذلك فعل أبو نائلة- «2» فلما استمكن منه قال: دونكم فاقتلوه ففعلوا.
ثم أتوا النبي فأخبروه «3» ، وبذلك أراحوا المسلمين من هذا الشر المستطير، وهكذا كان الرسول إذا رأى من أحد من اليهود غدرا وتأليبا عليه ومحاربة للدعوة أرسل إليه من يريحهم من شره، وكان قتله في ربيع الأول من السنة الثالثة كما ذكره ابن سعد في طبقاته.
__________
(1) اسمه سلكان بن سلامة بن وقش، وقيل اسمه سعد، ولقبه سلكان، وكان أخا كعب من الرضاع كما كان نديمه في الجاهلية ويركن إليه. وذكر الواقدي أن محمد بن مسلمة كان أخاه من الرضاع أيضا.
(2) في السيرة لابن هشام: «أن أبا نائلة هو الذي وقع في الرسول، وأنه هو الذي أخذ برأسه حتى قتلوه» ولعل الاثنين اشتركا في النيل من الرسول، والأخذ برأسه، وقد اثرت ذكر ما في صحيح البخاري.
(3) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب قتل كعب بن الأشرف.