قد وردت روايات عدة تفيد أنه صلّى الله عليه وسلّم كان في جسده قطعة لحم ناتئة عليها شعر عند كتفه الأيسر كزرّ الحجلة «2» ، كما في صحيح البخاري، ومسلم، أو كبيضة الحمامة كما في صحيح مسلم، وهي ما كان يعرف بخاتم النبوة.
والروايات تدل على أن هذا الخاتم كان من علامات نبوته في الكتاب السابقة، كما تدل على ذلك قصة بحيرى الراهب. فقد تحايل حتى راه، ثم قال لعمه أبي طالب ما قال.
والصحيح أن هذا الخاتم تكوّن بعد الولادة، وأنه على الأصح كان بعد قصة شق الصدر، وأما القول بأنه ولد به أو ختم به عقب الولادة فضعيف «3» .
روى الشيخان في صحيحيهما بسندهما عن السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، وقمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زرّ الحجلة. وروى مسلم بسنده عن جابر بن سمرة قال: «رأيت خاتما في ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنه بيضة حمام» «4» .
__________
(1) علوم الحديث للمؤلف، ص 10.
(2) الحجلة- بفتح الحاء والجيم-: الخيمة المزينة بالستور، وزرها هي البكرة التي تربط بها الحبال، وقيل: الحجلة طائر، وزرها بيضتها.
(3) شرح المواهب، ج 1 ص 192.
(4) صحيح البخاري- كتاب المناقب- باب خاتم النبوة، وصحيح مسلم- كتاب الفضائل- باب صفة خاتم النبوة.
الفصل الثالث النّبيّ عليه السّلام في كفالة أمّه، ثم جدّه، ثم عمّه
ها هو ذا النبي صلّى الله عليه وسلّم قد عادت به حليمة بعد حادثة شق الصدر في مبتدأ سنته الخامسة، وقد شبّ عن الطوق، وقوي جسمه، وغلظ عوده، وبلغ من النضرة وميعة الصبا ما لم يبلغه صبي في مثل عمره، وقد عاش في كنف الأم الحنون، وأضحى هو كل شيء في حياتها، إذ ليس هناك ما يشغلها أو يلهيها عنه، ودرج في كفالة جده الشيخ الذي كان يحنو عليه أكثر من حنوه على أبنائه، وقد وجد فيه عوضا عن أحب أبنائه إليه.