ثم كفله عمه أبو طالب، ولم يكن أبو طالب بأكبر بني عبد المطلب، ولا بأكثرهم مالا، ولكنه كان أشرف قريش وأعظمها مكانة، وأكرمها نفسا، وقد أحب أبو طالب ابن أخيه محمدا حبا شديدا، لا يحبه أحدا من ولده، فكان
__________
(1) هي بركة الحبشية بنت ثعلبة بن حصن كانت لأبيه، ثم انتقلت إليه، أسلمت قديما، وهاجرت الهجرتين، وقد صح أنها ماتت بعده صلّى الله عليه وسلّم بخمسة أشهر، وقيل بسنة، وقيل في خلافة عمر، وقيل في خلافة عثمان.
(2) لأن أبا طالب كان أخا شقيقا لعبد الله.
لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وصبّ به صبابة «1» لم يصبّ مثلها بشيء قط.
وكان يخصه بالطعام، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شبعوا، فكان إذا أراد أن يؤكلهم قال: كما أنتم حتى يأتي ولدي، فيأتي النبي فيأكل معهم، فكانوا يفضلون من طعامهم، فيعجب أبو طالب ويقول: إنك لمبارك.
وكان الصبيان يصبحون رمصا شعثا «2» ، ويصبح محمد دهينا كحيلا. وقد زاده حبا في نفسه ما كان يتحلّى به النبي في صباه من طيب الشمائل، وكريم الاداب في هيئة الأكل، والشرب، والجلوس، والكلام، مما يعز وجوده في هذه السن بين الصبيان، ويدل على أن الله سبحانه فطره من صغره على خير الخلال والاداب.
__________
(1) أحبه حبا عظيما.
(2) جمع أرمص، والرمص قذر يكون في موق العين، وشعثا: جمع أشعث أي ثائر شعر الرأس.