ومع هذه المساهلة في الصلح، والإحسان إليهم بالكف عن قتلهم وإجابة مطلبهم، ما زالت نفوسهم مملوءة بالحقد والبغضاء وانتهاز الفرص للنيل من النبي والمسلمين، وليس أدل على هذا من أن النبي بعد أن صالحهم واطمأن، أهدت إليه زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم- وهو ممن قتل في الحرب- شاة مشوية، وسألت أي عضو أحب إلى نبيّهم؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيه من السم، ثم سمّت سائر الشاة وجاءت بها ووضعتها بين يدي
__________
(1) تحرب أي مغضبة.
(2) حيدرة: من أسماء الأسد.
(3) مكيل واف.
(4) رواه البخاري.
النبي، فتناول الذراع، فلاك منها قطعة فلم يسغها «1» ، وكان معه بشر بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها قطعة فأساغها، وأما رسول الله فلفظها وقال:
«إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم» .
ثم دعا بها فاعترفت فقال لها: «ما حملك على هذا؟» قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان كذابا استرحنا منه، وإن كان نبيا فسيخبر، فتجاوز عنها، ومات بشر من أكلته هذه. ويروى أن النبي قتلها به قصاصا، وهكذا نجى الله نبيّه من غدر هذه اليهودية، كما نجّاه من غدرهم وهمهم بقتله فيما قبل، ولم يزل أثر هذا السم يعاود النبي صلى الله عليه وسلم كل عام حتى اختاره الله لجواره، ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما زالت أكلة خيبر تعاودني حتى قطعت أبهري «2» » .