وكانت ولادته صلّى الله عليه وسلّم في دار أبي طالب بشعب بني هاشم «5» ، وكانت قابلته
__________
(1) أما النور فنور النبوة والرسالة، وأما الجثي على ركبتيه فإشارة إلى شدة تواضعه لربه، وتواضعه للخلق، وأما الاعتماد على يديه فإشارة إلى أنه لن ينشأ مدللا كسلان كما هو شأن أبناء الملوك والأشراف، وإنما سيعتمد من صغره على الله ثم على نفسه، وأما أخذه قبضة من التراب فإشارة إلى أن الأرض منها البدء، وإليها الإعادة، ومنها الإخراج للبعث، وأنه سيغلب أهل الأرض، وأما رفع رأسه إلى السماء فإشارة إلى عظم توكله على ربه، وإلى ارتفاع شأنه وقدره، وسمو غايته وسؤدده، وأنه يسود الخلق أجمعين.
(2) أي في علمه وتقديره الأزلي.
(3) هذه الرؤية بصرية، وقد وردت بهذا المعنى في أفصح الكلام ومعجزه، وهي غير الرؤيا التي رأتها في مبدأ الحمل، فتلك كانت منامية (شرح المواهب، ج 1 ص 136) .
(4) قال الحافظ ابن حجر: وصحّحه ابن حبان والحاكم.
(5) وقد صارت هذه الدار إلى محمد بن يوسف الثقفي أخي الحجاج، ذلك أن عقيل بن أبي طالب باع دور من هاجر من بني هاشم، ومنها هذه الدار، وقد أدخلها محمد بن يوسف هذا في داره التي يقال لها: البيضاء، ولم تزل كذلك حتى حجت الخيزران أم الرشيد، فأفردت ذلك البيت وجعلته مسجدا، وقيل: إن التي بنته هي السيدة زبيدة
الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف، وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه صلّى الله عليه وسلّم، ولد مسرورا مختونا «1» ، واستدلوا على هذا بما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا، ولم ير أحد سوأتي» «2» وورد عن ابن عمر أنه قال: «ولد النبي صلّى الله عليه وسلّم مسرورا مختونا» «3» .
وقد ضعّف جماعة من العلماء هذه الأحاديث كالعراقي، وابن القيم في «زاد المعاد» وقال: ليس هذا من خصائصه، لأن كثيرا من الناس ولد مختونا، وقد عدهم صاحب المواهب.
ولقد نعمت الأم التي ترملت في شبابها بالوليد الجميل، المشرق الجبين، الذي ملأ البيت من حولها نورا وسرورا، ورأت فيه السلوى عن الحبيب الغالي الذي تركه لها وديعة في ضمير الغيب ثم مات، وما إخالها إلا ذرفت الدمع سخينا، أن لم ير الأب الشاب هذا الوليد الذي يملأ العيون جمالا وبهاء، والقلوب محبة.