وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعدل الناس، وأبعدهم عن الظلم، ما ظلم أحدا في، دم، أو عرض، أو مال، ولا جار في حكم. وكان من أخلاقه العدل في الرضا والغضب، وكان مثالا للعدل مع نفسه وأهله، وولده، وصحابته، ولقد بلغ من عدله أنه كان ينصف الناس من نفسه.
وقد قدمنا لك في بدر ما كان من قصته مع سواد بن غزية، ورضائه أن يقتص منه طعنة طعنه إياها، وهو يعدّل الصفوف. وما ذكره في اخر خطبة خطبها في مرض موته: «من جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ... » ولما قال له أحد المنافقين بعد قسمة غنائم حنين: (هذه قسمة ما أريد بها وجه الله) قال له:
«ويحك فمن يعدل إن لم أعدل؟! خبت وخسرت إن لم أعدل» وقد سمعت انفا قوله: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» وامتناعه أن يعطيها خادما مع شدة حاجتها، وإيثار مصلحة أهل الصفّة على مصلحتها، وعدله البالغ مع زوجاته في القسم بينهن مع أن الله سبحانه وتعالى فوض إليه ذلك وخيّره فيه بقوله:
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ «1» .
__________
(1) سورة الأحزاب: الاية 51.
ولم يقف الأمر في العدل عند ما هو من حق المرأة في النفقة، والكسوة والبيتوتة، بل شمل ذلك العدل في المباسطة والمؤانسة والتعهد، وكان يفعل ذلك بعد صلاة العصر غالبا، وقد يكون بعد صلاة الصبح كما في الصحيح، أما العدل والمساواة في الحب والميل القلبي فهذا لم يكلّف به النبي، ولم تكلّف به الأمة، لأنه أمر لا يدخل تحت الاختيار، ولا تحت الوسع، قال تعالى:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وهذا هو المراد من قوله سبحانه: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ، فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وكان النبي يقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك» .