ولما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد كثروا وعزّوا بعد إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما، وأن المهاجرين إلى الحبشة قد نزلوا بلدا أصابوا به أمنا وقرارا، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم، ورأوا الإسلام يفشو في القبائل أجمعوا على أن يقتلوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، فبلغ ذلك أبا طالب، فجمع بني هاشم وبني المطلب، فأمرهم فأدخلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شعبهم: شعب بني هاشم «1» ، ومنعوه ممن أرادوا قتله، فأجابوه لذلك حتى كفارهم، فعلوا ذلك حمية للرحم والقرابة على عادة أهل الجاهلية في ذلك، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا أبو لهب بن عبد المطلب، فقد انحاز إلى قريش وظاهرهم.
فلما رأت قريش ذلك وأجمعوا أمرهم، وائتمروا فيما بينهم على أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم والمطّلب: ألاينكحوا إليهم «2» ، ولا ينكحوهم، ولا يبيعوا منهم شيئا، ولا يبتاعوا، ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا حتى يسلموا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهم ليقتلوه. وكتبوه في صحيفة بخط منصور ابن عكرمة في رواية ابن إسحاق، وقال ابن سعد: بخط بغيض بن عامر، وقال ابن هشام: بخط النضر بن الحارث، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على كاتبها، فشلّت يمينه، وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة هلال المحرم سنة سبع من النبوة.
__________
(1) ويعرف بشعب ابن يوسف، والشعب: الطريق في الجبل، وما انفرج بين جبلين.
(2) يعني لا يتزوجوا منهم.