ولما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يصيب أصحابه من البلاء، وما كان ينالهم من التعذيب والإهانة- وقد ذكرت لك ذروا منه انفا- وأنه لا يقدر على أن يمنع عنهم ما يصيبهم قال لهم:
«لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه» .
فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله إلى أرض الحبشة فرارا إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام، وقد روى الواقدي أن خروجهم إليها كان في رجب سنة خمس من البعثة.
فكان أول من خرج عثمان بن عفان ومعه زوجه رقية بنت رسول الله، ولما بلغ رسول الله ذلك قال: «صحبهما الله، إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط عليه السلام» .
ثم خرج أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وزوجه سهلة بنت سهيل بن عمرو، فولدت له بالحبشة محمد بن أبي حذيفة، وخرج الزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وزوجه أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، وولدت له بها زينب، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة حليف ال الخطاب وزوجه ليلى بنت أبي حثمة، وأبو سبرة بن أبي رهم، ويقال: بل أبو حاطب بن عمرو،
ابن عبد شمس، بن عبد ود، بن مالك، بن حسل، بن عامر، بن لؤي، ويقال:
إنه أول من قدمها، وسهيل بن بيضاء، فكانوا عشرة رجال، وأربع نسوة، وقيل: وخمس نسوة بزيادة أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو زوج أبي سبرة «1» .
ثم خرجوا ما بين ماش وراكب حتى انتهوا إلى البحر، فاستأجروا سفينة حملتهم إلى الحبشة بنصف دينار، وخرجت قريش في اثارهم فلم يدركوا منهم أحدا.
ويقال: إن قريشا أرسلت في أثرهم عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدايا وتحف إلى النجاشي ليردهم إلى قومهم فأبى، وردهما خائبين. وأما بعد هجرة الحبشة الثانية فقد أرسلت عمرا وعبد الله بن أبي ربيعة، والمحققون على أن الإرسال إنما كان بعد الهجرة الثانية وهو الصحيح «2» ، فقد كان المتكلم عن المهاجرين جعفر بن أبي طالب، والصحيح أنه لم يهاجر إلا في الثانية، وسنذكر إن شاء الله تعالى- ما كان من رسولي قريش، وما كان من سيدنا جعفر بين يدي النجاشي في موضعه.
__________
(1) السيرة، ج 1 ص 222- 223؛ شرح المواهب، ج 1 ص 326.
(2) شرح المواهب، ج 1 ص 327، 328.