وفي هذه السنة على ما رجّحه ابن كثير في بدايته «1» تزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة أم حبيبة- رملة، وقيل هند، والأول أصح- بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية، ولدت قبل البعثة بسبعة عشر عاما، وكانت قبل النبي تحت زوجها عبيد الله بن جحش، وكانا أسلما وهاجرا إلى الحبشة، فولدت بها حبيبة وبها كانت تكنى، وقيل ولدتها بمكة ثم هاجرت بها، ثم تنصّر زوجها وبقيت على إسلامها، ثم مات، فلما انقضت عدتها كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أن يتولّى له العقد عليها، وقيل أرسل له عمرو بن أمية الضمري بذلك، فولي النجاشي العقد، وأمهرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار وتولّى نكاح أم حبيبة ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص.
وقد بقيت السيدة أم حبيبة بالحبشة معزّزة مكرمة حتى قدمت إلى المدينة مع مهاجري الحبشة سنة سبع، ولما بلغ أباها أبا سفيان تزوج النبي بها قال:
(هو الفحل لا يقدع أنفه) «2» ، وكان من سرورها بهذا الزواج أن أهدت الجارية التي أرسلها النجاشي لتعرض عليها زواج رسول الله بها سوارين من فضة،
__________
(1) وقيل سنة ست وقيل سبع ويرجح الأول أن عمرو بن العاص لما ذهب إلى الحبشة بعد الخندق وجد عند النجاشي عمرو بن أمية الضمري لأجل خطبتها للنبي.
(2) مثل يضرب للكفء الكريم. والفحل: ذكر الإبل، وكان من عادة العرب إذا كان الفحل غير كريم ضربوا أنفه ليبعد عن الناقة، وإذا كان كريما تركوه.
وبعض الدنانير، ولكن الجارية ردته بأمر سيدها النجاشي، وجاءت لها بعود وورس وعنبر، قالت: فقدمت به معي على رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» .
,
ومما ذكرنا يتبين للمنصف أن النبي لم يرد بزواجه منها قضاء شهوة، أو إشباع رغبة جنسية، فالنبي لم يدخل بها إلا بعد خيبر، وإنما أراد المواساة بالنفس، فقد تنصّر زوجها وثبتت على إيمانها، ومات فأصبحت أيّما، فكان عملا إنسانيا كريما أن عقد عليها وصارت بذلك في عداد أمهات المؤمنين، وحظيت بهذا الشرف الرفيع كفاء هجرتها وثباتها وتحملها، وناهيك بالاحترام البالغ الذي وجدته فيما بعد في نفوس المسلمين، والحفاوة البالغة التي أحاطها بها ملك الحبشة العادل الكريم، ألا إنه موقف كريم تغص به حلوق المتقوّلين على الرسول العظيم.