بنو لحيان هم الذين غدروا بعاصم بن ثابت وإخوانه أصحاب سرية الرجيع، ولم يزل رسول الله عازما على الاقتصاص منهم حتى جمادى الأولى من هذه السنة، فخرج في مائتي راكب من أصحابه بعد أن استخلف على المدينة ابن أم مكتوم، واتبع طريقة التعمية، فسلك طريق الشام ليرى أنه لا يريد بني لحيان، فلما وصل إلى منازلهم هربوا، وتمنّعوا في رؤوس الجبال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنا هبطنا عسفان «1» لرأت قريش أنا قد جئنا مكة» فذهبوا إليها ليداخل أهل مكة الرعب، ثم أرسل فارسين حتى جاا «كراع الغميم» «2» ليري قريشا من نفسه القوة.
وفي عسفان استقبلهم جمع من المشركين على رأسهم خالد بن الوليد، فصلّى النبي بأصحابه صلاة الظهر، فقال المشركون: قد كانوا على حال لو أصبنا منهم غرّتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم صلاة «3» هي أحبّ إليهم من أبنائهم وأنفسهم، فنزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الايات:
وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً «4» .
__________
(1) عسفان: موضع قرب مكة.
(2) كراع الغميم: موضع جنوب عسفان بثمانية أميال.
(3) هي صلاة العصر.
(4) سورة النساء: الاية 102.
وكانت هذه أول صلاة خوف صلاها رسول الله «1» ، وبذلك شرعت هذه الصلاة التي تدل على يسر الإسلام وسماحته وصلاحيته لكل زمان ومكان، وقيل إن مشروعية صلاة الخوف كانت في غزوة «ذات الرقاع» ، وكانت على ما ذهب إليه ابن إسحاق سنة أربع، وذهب الإمام البخاري إلى أنها كانت سنة سبع عام خيبر واستدل بأدلة فليرجع إليها من يشاء «2» .