717- ومع أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان يتوقع الموت القريب وقد ظهرت أماراته كان قائما بواجب التبليغ وإعزاز الإسلام لآخر لحظة من لحظاته فالواجب مستمر لا يعوقه مرض إن كان قادرا على الإرسال والبعث، ولا يعوقه توقع الموت وقربه، لأنه مادامت الحياة، فالواجب قائم.
,
وقد أجمع الرواة على أنه عليه الصلاة والسلام جعل فى إمرته الشيخين أبى بكر وعمر ولقد بنى الشيعة على ذلك أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وقد توقع الموت ودخل جسمه المرض وأذن بوداع بعثهما فى جيش أسامة ليخلوا الجو لعلى كرم الله وجهه ولا ينازعانه الخلافة.
ولا نحسب أن ذلك يصلح تعليلا، أو حكمة لتولى أسامة إمرة الشيخين، وقد كان يمكن أن يولى أحدهما الجيش، والآخر يعاونه، فإن ذلك قد يتحقق فيه ما فرضوه مقصدا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، والحق أن اختيار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لأسامة يمكن أن تتعرف حكمته بغير ذلك.
فأبوه زيد بن حارثة- كان القائد الأول للمسلمين الذى كان يحمل الراية، وقد قتله الرومان، فكان من حكمة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يمكنه من قتلة أبيه، فيكون أكثر حمية من غيره، وأشد حماسة، وأيضا فإن أسامة كان شابا، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم وقد توقع الموت عزم أن يولى الشباب.
وأن زيدا لم يكن قرشيا، بل كان أبوه من الموالى أعتقه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وتبناه، حتى ألغى التبنى بحكم القرآن الكريم من بعد الهجرة، وإن تعيينه وهو بهذه الحال، بيان لأن السيادة لا تكون دائما للقرشيين، وتوكيدا لهذا المعنى السامى جعل شيخين من شيوخ قريش والمسلمين فى إمرته وكانت لهما مكانتهما فى قريش جاهلية وإسلاما، فكان جعله أميرا عليهما منعا للسيطرة القرشية، ومنعا للأرستقراطية الإسلامية.
وإن هذه الأمور تلمس لحكمة فعل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ليست تعليلا دقيقا ولقد كان هذا البعث آخر سرية أرسلها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكأنها كانت إشارة إلى أن يتجه المسلمون بالدعوة الإسلامية إلى خارج الجزيرة العربية، ولقد شدد عليه الصلاة والسلام فى تنفيذ هذه السرية، شدد فيها وهو حى وشدد فى التوصية بتنفيذها إذا مات ولكن لم تنفذ إلا بعد مماته.
وتخلف عنها الشيخان أبو بكر وعمر، فأما أبو بكر، فقد اختبره الله بالخلافة، وارتداد الأعراب، وكان لا بد أن يبقى ليحمى المدينة المنورة، وليحمى العقيدة، وليحمل المرتدين على التوبة.
وأما عمر فلأنه كالوزير لأبى بكر، استأذن أسامة فى أن يبقى بجواره فى هذه الشديدة لتكون قوة المسلمين المؤمنين متضافرة، فى دفع هذا البلاء والشديدة شديدة، والبلاء بلاء، فقد اجتمع أبو بكر وعمر وعلى والزبير وطلحة، وعبيدة وعبد الرحمن بن عوف ليصدوا الردة، ويتحقق قول الله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ، فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ، يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ،