490- خرجت غطفان بعد الخندق محنقة، لأنها طمعت في صلح. ولم يعزمه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بل كان مراوضة لتخذيلهم عن قريش، وقد تم بعض ذلك، عادت مع قريش مذمومة مدحورة، ولكن ما لم تستطعه بحرب أرادت أن تأخذه بالسلب والنهب والإغارة الجزئية، والغصب، ثم الفرار، فصاروا كشطار العرب، بل كلصوصهم، يستوى في ذلك من كان قائدا، ومن كان مقودا.
أغار عيينة بن حصن الفزارى في خيل من غطفان على نوق لقاح للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالغابة، وفيها رجل من بنى غفار وامرأته. فقتلوا الرجل، وساقوا المرأة مع اللقاح، وكانوا بهذا كقطاع الطريق الذين يقومون بالسلب والنهب، ورأوا أن ذلك أنكى للمسلمين من أن يلتقوا معهم في حرب تشتجر فيها السيوف، وإن كان ذلك أبعد عن المروءة، والخلق العربى الكريم.
كان بعض فرسان المؤمنين قد علم بأمرهم، منهم سلمة بن الأكوع، ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرس، وقد أصبح يريد الغابة، حتى إذا كانوا بثنية الوداع نظر إلى بعض خيول المعتدين، فصرخ: واصباحاه، ثم خرج يشتد في آثار القوم، وكان رجلا قويا مثل السبع، حتى لحق القوم، وأخذ يردهم بالنبل، ويقول، إذا رمى: خذها وأنا ابن الأكوع. اليوم يوم الوضّع (أى اللئام) . وكانوا من قوة الرمى يحاولون أن ينقضوا عليه، فإذا وجهت خيلهم نحوه انطلق هاربا من لقائهم وجها لوجه، ولكنه يعارضهم ليتمكن من الرمى، فإذا رمى يقول: خذها وأنا ابن الأكوع، ولما بلغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما كان من هؤلاء، وسمع صياح ابن الأكوع دعا الفرسان من المهاجرين والأنصار، فكان أوّل فارس تقدم المقداد بن الأسود، وتوالى من بعد ذلك الفرسان الذين يتبعونهم فارسا بعد فارس. وقد رأى رجلا من رزين اسمه أبو عياش، معه فرس، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك، فقال رضى الله عنه: أنا أفرس الناس، ولكنه ما جرى به خمسين ذراعا، حتى طرحه أرضا. فتولى الفرس غيره، وهكذا تولى الفرسان يلاحقون الفارين السالبين.
خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مع الفرسان، وأقام على المدينة ابن أم مكتوم، وسار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه من أصحابه، واستنقذوا بعض اللقاح، ولم ينقذوها كلها، ولكنهم قتلوا من أدركوه من القوم، واستمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في سيره حتى نزل بالجبل من ذى قرد، وتلاحق عليه الناس، وأقام عليه يوما وليلة.
عاد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد قسم على كل مائة رجل جزورا. وقد نجت امرأة الغفارى على ناقة من إبل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عند ما شغل القوم بالفرار من فرسان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
وكانت قد نذرت لله تعالى إن نجاها عليها أن تنحرها، فتبسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عند ما علم عزمتها، وقال بئسما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك بها، ثم تنحرينها، إنه لا نذر فى معصية الله تعالى، ولا فيما لا تملكين، إنما هى ناقة من إبلى، فارجعى إلى أهلك على بركة الله تعالى.
وقد روى حديث امرأة الغفارى عن الحسن البصرى موقوفا.
وبذلك انتهت هذه الغزوة التى دفعت غارة من غارات الأعراب.