633- لم يدخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مكة المكرمة عند الفتح محرما لعمرة، بل دخلها فاتحا غير محارب، ويريد الاتصال، ويعيد المودة ويعلن الأخوة بعد طول الافتراق، وإن المودة تجذب القلوب النافرة، وتؤوى العقول الشاردة.
ولقد كان طواف فى غير إحرام، ولم تكن مناسك عمرة وتعظيم للبيت.
ولما انتهى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من الفتح شغل بجذامة وإرضاء قلوبها، ومداواة الجراح التى جرحها خالد بن الوليد.
ولما أخذت هوازن تهم بالهجوم على جيش محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كان لا بد من لقائها، فكان اللقاء المرير، ذو النتائج الباهرة، وأتبعها بالطائف، فلما أذن الشهر الحرام بالمجيء عاد إلى الجعرانة وهى ميقات من مواقيت الإحرام، فأحرم منها بالعمرة، ودخل بيت الله معتمرا.
وكانت تلك العمرة فى ذى القعدة، وذهب إلى المدينة المنورة لست ليال بقين من ذى القعدة.
ولم يحج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم هذا العام الثامن بنفسه ولا بأحد ناب عنه، وترك الحج لما كان عليه العرب من قبل.
ولكن كان مع المسلمين الذين أرادوا الحج عتاب بن أسيد، فحج بهم.
ولكن عندما عاد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى المدينة المنورة، ترك أميرا عليها عتاب بن أسيد، وكان سن عتاب كما جاء فى شرح المواهب اللدنية عشرين سنة، فخلفه صلى الله تعالى عليه وسلم فى هذه السن، وكان مباركا فى عمله مخلصا فى نيته، قنوعا فى ذات اليد، لا يطمع، بل يشبع بالقليل.
أجرى عليه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رزقا درهما كل يوم فكان به راضيا، غير متطلع لأكثر منه، وكان يقول داعيا إلى القناعة:
«أيها الناس أجاع الله تعالى كبد من جاع على درهم، فقد رزقنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم درهما كل يوم، فليس بى حاجة إلى أحد» .
وقد خلف صلى الله تعالى عليه وسلم بعد العمرة معاذ بن جبل الحافظ للقرآن الكريم الراوى للسنة بجوار عتاب بن أسيد، وخلفه ليعلم الإسلام، ويفقههم فى الدين، ويحفظهم القرآن الكريم، فقد
كانوا فى حاجة إلى ذلك، لحداثة عهدهم بالجاهلية، ولم يعيشوا فى ظل القرآن الكريم كأهل المدينة المنورة، بل كانوا يناوئون أهل القرآن الكريم، وإن علم بلغاؤهم مكانته، وأنه يعلو ولا يعلى عليه.
وقد عاد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الجعرانة بعد عمرته، ولم يمكث بها إلا قليلا، وفيها وزع بقية الفيء والغنائم، ومنها سافر إلى المدينة المنورة حتى بلغها لليال ست بقيت من ذى القعدة.
وقد ترك الطائف على شركه، وإن أخذت تميل نحو الاسلام على عنجهية الجاهلية.
وكان مالك بن عوف يغير عليها آنا بعد آن، فإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أدناه منه وأسلم وحسن إسلامه، فكان من بعد ذلك يرهقها بالغارات ويجيء إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بما يدل على أنها تلين إلى الإسلام شيئا فشيئا، حتى لانوا كما سنبين فى وفدهم.