508- خرج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه من المدينة يريدون الحج ولم يريدوا قتالا، ولما غاب عثمان رضى الله عنه في مكة المكرمة، وشاعت القالة بأنه رضى الله تعالى عنه قد قتل، ولم يكن ذلك بعيد الاحتمال، أخذ أهبته للقتال لأن الاعتداء وقع بقتل الرسول، وهو رسول سلام أمر منكر وقبيح في ذاته، وفوق ذلك يتضمن في ذاته رفضا للسلام واعتداء على من أرسله، إذ الرسول لا يقتل، ولكن يرد إلى مأمنه، سواء أرفضوا الرسالة أم قبلوها.
لا بد إذن من الأهبة، وما خرجوا للقتال، فلا بد من أخذ البيعة به، لأن القتال برضا الجند، وتلك سنة نبوية في كل حروبه عليه الصلاة والسلام، فإنه يريد جندا مختارا يقدم نفسه برضا واختيار، محتسبا النية لله تعالى. طالبا ما عند الله.
لذلك أخذ البيعة على من معه، وكان يبايعهم على الموت، وعلى ألا يفروا من الميدان، لأن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم قرر القتال، وقال: لا نبرح حتى نناجز القوم، لأنهم بقتلهم ذا النورين عثمان يكونون قد رفضوا السلام.
كانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فبايع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كل من معه، ولم يتخلف عن البيعة أحد إلا واحد، وما كان ليلتفت إليه.
ولقد رضى الله عن أولئك الذين قبلوا أن يغيروا ملابس الإحرام ويلبسوا ملابس القتال، وقال الله تعالى فيهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ ما فِي
قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً. وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً. وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها، فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ، وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ، وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً. وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً. وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ، ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا. وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ، مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (الفتح- 18، 24) .
وهكذا رضى الله تعالى عن أهل بيعة الرضوان، ووهبهم سبحانه وتعالى من بعد ذلك مغانم كثيرة، وبين سبحانه وتعالى أن أوّل هذه الغنائم أن كف أيديهم عنكم، فكانت هذه غنيمة عاجلة، وكان هذا فتحا مبينا، كما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.