210- كان على رضى الله تعالى عنه فى العاشرة من عمره، وقد تجاوز سن التمييز الأولى، وصار له إدراك فى المعانى الدينية. وذلك هو نظر علماء الإسلام من بعد. إذ أنهم اتفقوا على صحة إسلام الصبى المميز. واعتبار إسلامه وإن اختلفوا فى اعتبار ردته إذا تقرر إسلامه ابتداء. أو بوراثته للإسلام.
كان على رضى الله تعالى عنه وكرم الله وجهه فى سن التمييز عند بعثة النبى عليه الصلاة والسلام. وفيه ذكاء يسبق به أقرانه ومن فى سنه، وهو فوق ذلك فى مهبط الوحي، ومنزل النبوة، وما لا يصل إليه بالإدراك يصل إليه بالمحاكاة والقدوة الصالحة، وقبس النبوة يهديه. ونورها يسطع فيما حوله.
ولقد قالوا إنه ابتدأ نور الهداية باتخاذه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أسوة حسنة يقلدها ويحاكيها، ويتبع اثارها، ويقتفى مسالكه صلى الله تعالى عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: «ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة المكرمة. وخرج معه على بن أبى طالب مستخفيا من أبيه أبى طالب، ومن جميع أعمامه، وسائر قومه فيصليان الصلوات فيها، فإذا أمسيا رجعا، فمكثا كذلك ما شاء الله تعالى أن يمكثا.
ولكن عين أبى طالب كانت تتلفت حول ابنه وابن أخيه وحبيبه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، ولذلك؛ رمقتهما- وهما يصليان، فاتجه إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فقال له: يابن أخى ما هذا الدين الذى أراك تدين به. فقال: أى عم هذا دين الله ودين ملائكته، ودين رسله، ودين أبينا إبراهيم بعثنى الله به رسولا إلى العباد، وأنت أى عم: أحق من بذلت له النصيحة، ودعوته إلى الهدى، وأحق من أجابنى إليه وأعاننى عليه» .
دعاه محمد عليه الصلاة والسلام إلى أمرين: أولهما الإيمان بهذا الدين. وثانيهما إعانة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم. وقد أجابه فى الثانية ولم يجبه فى الأولى فقد قال له: أى ابن أخي، إنى لا أستطيع أن أفارق دين ابائى وما كانوا عليه. ولكن والله لا يخلص إليك شىء تكرهه.
هذا ما كان بينه وبين ابن أخيه. وهو ينبيء عن نخوة كريمة، وتعصب لما كان عليه اباؤه تعصبا غير حسن فى ذاته. ولا من مثله من كبر عقله، وقوة نفسه. ولكن ذلك ما أراد الله تعالى لحكمة، ليرى الناس مثلا من أقوياء الرجال، يكون عظيما فى ذاته، ويكون مع ذلك مشركا، فهو عال فى نفسه، ليس كبيرا فى اعتقاده.
أما ما كان من أمره مع ابنه، فقد اتجه إليه يقول له: «أى بنى ما هذا الدين الذى أنت عليه. فقال له: يا أبت، امنت بالله وبرسول الله، وصدقت بما جاء به، وصليت معه لله واتبعته» .
وهنا نجد أبا طالب الحر الكبير فى نفسه فى معاملة ابنه، كما رأيناه مع ابن أخيه، فقد قال غير مضيق ولا متزمت، ولا ضائق الصدر، أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه.
وروى ابن إسحاق مع ما ذكر رواية فيها زيادة إذ قال:
«إن على بن أبى طالب رضى الله تبارك وتعالى عنه جاء بعد ذلك بيوم أو يومين وهما يصليان (أى خديجة والرسول) فقال: أيا محمد ما هذا! قال النبى عليه الصلاة والسلام: دين الله تعالى الذى اصطفى لنفسه بعث به رسله، فأدعوك إلى الله تعالى واحده لا شريك له، وإلى عبادته، وأن تكفر باللات والعزي، فقال على: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاصد أمرا حتى أحدث به أبا طالب، فكره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يفشى عليه سره قبل أن يستعلن أمره، فقال عليه الصلاة والسلام له: «يا على إذا لم تسلم، فاكتم» فمكث على تلك الليلة، ثم إن الله أوقع فى قلب على الإسلام، فأصبح غاديا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى جاءه، فقال: «ماذا عرضت على يا محمد» فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «تشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له وتكفر باللات والعزى وتبرأ من الأنداد» ففعل على ذلك وأسلم، ويروى أنه كتم إيمانه عن أبى طالب، ولكنه لما علم قال له: «وازر ابن عمك وانصره» .
هذه زيادة ذكرها ابن اسحاق فى رواية أخري، وهى لا تتعارض مع الرواية الأولي، ولكن تزيد عليها، فمؤداها أن على بن أبى طالب، كشأن من يكون فى سنه رأى أن يعرض الأمر على أبيه كالشأن فى كل أمر ذى شأن يعرضه الصبى على أبويه قبل أن يقدم عليه، ثم وقع فى قلبه الإيمان بما جاء به ابن عمه، طيب النفس رضيا، وكان أن تبعه فى صلاته فى شعاب مكة المكرمة.