533- كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم شفيقا رفيقا رؤفا فى ذات نفسه وبالناس. وقد رأى صفية وأختها. يمر بهما بلال رضى الله عنه فى وسط قتلى اليهود، فنادى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بلالا لائما له قائلا: «أليس فى قلبك رحمة تمر بالفتاتين فى وسط القتلى من أهلهما» وكانت إحداهما مذعورة نافرة وكانت صفية ساكنة مستسلمة تاركة نفسها للمقادير.
والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقرب القلوب، ولا ينفرها، وييسر ولا يعسر، وكما كان عليه الصلاة والسلام يقول «يسروا ولا تعسروا، واكفوا ولا تنفلوا» .
وقد كانت صفية فى قسمه، فلم يرد أن يبقيها على الرق أو أن يفرض عليها رقا تأليفا ورفقا، وكان يمكن أن ينال ما ينال بملك اليمين، ولم يكن حراما، ولكنه يبغض الرق ولا يريد أن ينشيء رقا على أحد قط، وخصوصا إذا كانت ابنة رئيس القوم، فهو لا يحب الذلة ينزلها بإنسان بعد عزة. ولذلك أعتقها وتزوجها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وجعل صداقها عتقها، وكان زوجها ابن عمها فى جملة القتلى.
ولقد دخل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعد استبراء رحمها بحيضة تحيضها، ولم يكن لها عدة، لأنه لا عدة من كافر، وخصوصا أن عدتها تكون عدة وفاة، وهى تكون للإحداد على الزوج السابق، ولا حداد على كافر، ولكن لا يصح أن يدخل بحامل، فتركها صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى تستبرىء.
ولقد نظر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى وجهها، فوجد أثر كدمة فى وجهها فسألها عنها فقصت خبر رؤيا لها رأتها، بعد بضع ليال من زواجها بابن عمها، وتلك أنها رأت فى منامها كأن قمر السماء وقع فى حجرها، فقصت رؤياها على ابن عمها، فلطم وجهها، وقال: أتتمنين ملك يثرب أن يصير بعلك. وقد تحققت رؤياها وكانت صادقة، فجاء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وفتح حصونها وكانت فى السبايا. فكرمها بأن أعتقها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وتزوجها.
ولقد أقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وليمة لزواجها، وقال أنس: أقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وليمة بين خيبر والمدينة المنورة ثلاث ليال فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولحم، وما كان فيها إلا أن أمر بلال بالأنطاع فبسطت فألقى فيها التمر والسمن، فقال المسلمون: أجدى أمهات المسلمين.
ولقد كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رفيقا فى معاملته لها، وقد اعتذر لها من قتل أبيها وزوجها، إذ كان أبوها يحرض عليه القبائل، ويؤلب عليه الناس وما كان يستطيع أن يتركه يؤلب العرب عليه، وقتل زوجها، لأنه خان العهد وأخفى مال أبيه، ونقض الذمة، وكان يتألف قلبها بسماحته ورفقه؛ حتى صار أحب الناس إلى قلبها.
وإن زواج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من السيدة صفية فيه فوائد اجتماعية، فهو أولا يطفيء ما فى قلوب المؤمنين بالنسبة لليهود، وضرب المثل السامى فى معاملة السبايا، فهى كانت منهن، فاختارها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم زوجا بدل أن يتخذ منها أمة يدخل عليها بملك اليمين، وهو يضرب الأمثال فى حسن العشرة الزوجية، فيكون خير الناس لأهله، كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم:
«خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى» . وإن هذا الزواج فيه مداواة للجروح المكلومة، لقد أمرها بلال على القتلى من قومها، فأكرمها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ورفعها إلى أعلى درجات النساء وهو أن تكون من أمهات المؤمنين.
وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يصلح بينه وبين اليهود فجعلهم شركاء للمؤمنين، فكان من الحق أن يتألفهم، وأن يرأف بهم، وإن ذلك الزواج تأليف وتقريب، وإبعاد للنفور ولكنهم جاحدون دائما.