348- وفي ذى القعدة من سنة الهجرة- أى على رأس عشرة شهور من الهجرة- أرسل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم سعد بن أبى وقاص في سرية؛ لأنه علم عليه الصلاة والسلام أن عيرا لقريش ستمر بها، فأرسل سعدا في عشرين من المهاجرين ساروا إلى مكان اسمه الخزار، وقد عينه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم على ألا يتجاوزوه، ويقول سعد رضى الله تعالى عنه: «خرجت في عشرين رجلا على أقدامنا، فكنا نكمن النهار ونسير الليل حتى صبحنا الخزار صبح خامسة، وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام قد عهد إلى ألا أجاوز الخزار، وكانت العير قد سبقتنا قبل ذلك اليوم» وعلى ذلك لم يلق سعد أحدا من قريش، ولم يأمره النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بمتابعتهم؛ لأنه يظهر أنه عليه الصلاة والسلام كان يريد مباغتتهم في الطريق، والمفاجأة تفزع العدو فينال منه، والملاحقة لا تكون فيها هذه المفاجأة، ولأنهم كانوا راجلين، فلا يوغلون في الصحراء حيث لا مركب لهم.
والواقدى يذكر في روايته أن سرية سعد كانت عدتها عشرين أو واحدا وعشرين، كما نقل عن سعد رضى الله عنه، ولكن ابن إسحاق يقول: إنه خرج ومعه ستمائة من المهاجرين.
ولعل رواية الواقدى أوضح وأقرب إلى المعقول، لأنه ثبت أن العير كان بها نحو ستين رجلا ويناسبهم عشرون وأنهم راجلون.
349- والسرايا الثلاث على كلام الواقدى كانت في السنة الأولي، وقد حدد مواقيتها، فالأولى كانت في رمضان، والثانية كانت في شوال، والثالثة كانت في ذى القعدة.
ولكن قال أبو جعفر بن جرير رضى الله عنه في تاريخه، وعند ابن إسحاق أن هذه السرايا الثلاث كانت في السنة الثانية من الهجرة.
ونلاحظ أن ابن إسحاق لم يعين أكان في السنة الثانية أم كان في الأولي، ولكن قد يفهم ذلك لأنه ذكرها بعد غزو النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أولى غزواته، وكانت في ودان، وهى كانت في صفر من السنة الثانية، وقد صرح بذلك ابن إسحاق، وذكر بعدها السرايا الثلاث، وإذا كانت الأحداث ترتب في الذكر بترتيب زمنها، فإنه تكون هذه السرايا في السنة الثانية، ولكن نلاحظ أن ابن إسحاق في سيرته يتكلم في بعض الوقائع في غير وقت وقوعها. لمناسبة اقتضت ذكرها في غير أوانها.
وعلى فرض أن ابن إسحاق يعد هذه السرايا في السنة الثانية، فإن الحافظ ابن كثير رجح ما قاله الواقدى، ويقول: «والواقدى رحمه الله عنده زيادات حسنة، وتاريخ محرر غالبا، فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار، وهو صدوق في نفسه، كما بسطنا القول في عدالته وجرحه في كتابنا الموسوم بالتكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل، ولله الحمد والمنة»
350- وهناك ملاحظة أخرى غير ملاحظة الزمن، والروايات فيه، وهى تتعلق بقريش، ومقدار استمساكها في اعتقادها.
ذلك أن الذين كانوا يخرجون لحماية عيرهم كان منهم من هو مؤمن، ولكن يكتم إيمانه، وكانوا يخرجون في متاجر قريش عساهم يجدون سبيلا لأن يلحقوا بالمؤمنين إذا كانت الهجرة قد فاتتهم عند خروج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فإنها لن تفوتهم من بعد، فإنه قد حدث عند التقاء سرية عبيدة ابن الحارث بن عبد المطلب بعير قريش، التى انصرف الفريقان فيها، ولم يتقاتلا، فر من قريش إلى المسلمين ابن عمرو البهرانى حليف بنى زهرة، وعتبة بن غزوان بن جابر المازنى حليف بنى نوفل بن عبد مناف، وكانا مسلمين ولكنهما توصلا بالكفار إلى المسلمين، فوصلا إلى المسلمين بطريق المشركين ليأمنا الإيذاء والشر.