365- فى ربيع الأوّل بلغ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن عيرا لقريش مقبلة من الشام، أميرها أمية بن خلف فيها مائة رجل، ومعها ألفا بعير وخمسمائة، فخرج إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في جمع مائة من المهاجرين وخلف عنه في المدينة المنورة سعد بن معاذ، وحمل لواءه سعد ابن أبى وقاص، وبواط- بفتح الواو- جبل من جبال جهينة من ناحية رضوى.
ولكن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم عند ما وصل إلى هذا المكان لم يلق كيدا.
غزوة العشيرة «3» :
366- فى جمادى الأولى من هذه (السنة) علم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن عيرا لقريش ذاهبة إلى الشام، فخرج عليه الصلاة والسلام لملاقاتها، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال
__________
(1) عند ابن هشام وغيره عمرو- المراجع.
(2) نهاية الأرب للنويرى ج 17 ص 4.
(3) يقال عنها العسيرة والعشيرة بالمهملة، وبحذف التاء فيهما.
لها ذات السباق، فصلى عندها فكانت مسجده، وصنع للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم طعام فأكل وأكل أصحابه، ثم استقى له من ماء يقال له المشيرب، وأخذ يتابع البحث عن تلك الشعاب المتعرجة، ثم اعتدل في الطريق حتى نزل العشيرة من بطن ينبع فأقام بها، جمادى الأولى، وليالى من جمادى الآخرة.
ولكن العير قد سبقت ولم يدركها، فلم يلق حربا، ولكنه عاد بتأليف القلوب، فوادع بنى مدلج ومن معهم من حلفاء لهم، فإذا كان لم يدرك العير، ولم يكسب منها مالا، فقد كسب قلوبا، وألفها، وذلك هو أوّل أعمال الرسالة المحمدية.
وقد خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على المدينة المنورة أبا سلمة الأسدي، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، ويذكر ابن إسحاق أنه في هذه الخرجة، كنى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم على بن أبى طالب كرم الله وجهه بكنية (أبو تراب) فيقول: ويومئذ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، (لعلى- أبو تراب) قال: فحدثنى يزيد بن خيثم ... عن عمار بن ياسر، قال كنت أنا وعلى بن أبى طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع، فلما نزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أقام بها شهرا، فصالح بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة، فوادعهم فقال لى على بن أبى طالب رضى الله عنه: هل لك يا أبا اليقظان أن هؤلاء النفر من بنى مدلج يعملون في عين لهم ننظر كيف يعملون، فأتيناهم، فنظر إليهم ساعة، فغشينا النوم، فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض، فنمنا فيه، فو الله ما أهبّنا إلا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يحركنا بقدمه، فجلسنا. وقد تتربنا من تلك الدقعاء، فيومئذ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لعلى: يا أبا تراب، لما عليه من التراب، فأخبرنا بما كان من أمرنا، فقال: ألا أخبركم بأشقى رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول فقال عليه الصلاة والسلام: أحيمر ثمود الذى عقر الناقة، والذى يضربك يا على، على هذه، ووضع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم- يده على لحيته» .
وقد علق على ذلك الخبر ابن كثير، فقال: «وهذا حديث غريب من هذا الوجه، له شاهد من وجه آخر في تسمية على أبا تراب، كما في صحيح البخارى: أن عليا خرج مغاضبا فاطمة، فجاء المسجد، فنام فيه، فدخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فسأل عنه، فقالت: خرج مغاضبا، فجاء عليه الصلاة والسلام إلى المسجد فأيقظه، وجعل يمسح التراب عنه، ويقول: «قم يا أبا تراب» .
ونستطرد في ذكر هذه الكنية النبوية الشريفة، فنقول أنها كانت أحب كنية إلى على كرم الله وجهه في الجنة، لأنها تسمية من حبيبه وكافله محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، ولأنها اقترنت
بمسحه بيده الكريمة التى أزال بها التراب عن بدنه، كما أزال الغبار عن الحقائق الإنسانية بالشرع الذى حمله وبلغه للخلق.
والخبران متلاقيان كما ذكر الحافظ ابن كثير. فإنهما يدلان على أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ناداه بذلك النداء الحبيب إليه في عدة مواطن.
ولقد فسق ناس عن أمر ربهم، فأذاعوا بين من تبعوهم على غيهم أن هذه الكنية تدل على الحط من مكانة على عند النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فساء قولهم كما ساء فعلهم.
وفي هذه الغزوة كما أشرنا وادع بنى مدلج وحلفاءهم بنى ضمرة، وقد ذكر السهيلى في الروض كتاب الموادعة بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وبنى ضمرة، وهذا نصه كما جاء فيه:
كانت نسخة الموادعة فيما ذكر غير ابن إسحاق «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله لبنى ضمرة، فإنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وأن لهم النصر على من رامهم إلا أن يحاربوا في دين الله ما بل بحر صوفة- وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إذا دعاهم لنصرة أجابوه. عليهم بذلك طاعة الله تعالى وذمة رسوله، ولهم النصر على من بر منهم واتقى» .