404- فى ذى الحجة كانت غزوة السويق:
وسببها أن رجوع فلول جيش قريش المهزوم قد أرث حقد كبراء قريش الذين بقوا من معاندى النبوة ومحاربى الدعوة المحمدية إلى التوحيد، وهجر الأوثان، وعبادة الرحمن وحده.
وأخص من تألم منهم أبو سفيان الذى آلت إليه زعامة الشرك بعد أبى جهل، وعقبة بن أبى معيط، وقد كان أظهر قواد المشركين في بدر.
نذر أبو سفيان ألا يمس الماء رأسه من جنابة حتى يغزو محمدا عليه الصلاة والسلام، وقد كانت رهبة من المسلمين شديدة إثر الهزيمة المنكرة التى منى بها قومه، وقتل الأشياخ منهم، فأورثهم ذلك فزعا وخوفا مع الرغبة الشديدة في الانتقام.
ومع هذه الحال أراد التحلة من يمينه، فخرج في مائتى راكب من قريش، فسلك الطرق النجدية، فنزل بصدر قناة إلى جبل يقال له «يثب» يقرب من المدينة المنورة ثلاثة فراسخ، ولكنه لم يتجه إلى أحد من المسلمين حتى يتصل بيهود بنى النضير الذين كانوا يجاورون النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في المدينة المنورة، وقد علم ما كان يسكن نفوسهم من إحن وبغض للمسلمين مع العقد الذى بينهم، ويظهر أنهم كانوا معهم على مودة كونتها عداوة المسلمين عامة، وعداوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم خاصة.
التقى أبو سفيان ببنى النضير، تحت الليل، فأتى حيى بن أخطب فضرب عليه بابه، فلم يفتح له، ودفعه الحرص ألا يعاونه، فانصرف إلى سلام بن مشكم، وكان السيد على بنى النضير في زمانه.
وصاحب كنزهم الذى اكتنزوه، فقرى أبا سفيان، وأخبره ما كان خفيا عليه من أخبار المؤمنين.
خرج أبو سفيان من المدينة المنورة بعد أن عرف من أسرار المسلمين ما كان يعلمه بنو النضير، فأرسل رجالا ممن معه حتى أتوا ناحية من المدينة المنورة يقال لها العريض، فحرقوا النخيل، وخربوا، ثم وجدوا بها رجلا من الأنصار، وحليفا في حرث يزرعونه، فقتلوهما، وانصرفوا راجعين هاربين، غير مقاتلين، وتخففوا مما يحملون، حتى يسهل الهرب، وتركوا أزوادا مما تزودوا بها.
علم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان أشد حرصا وسبقا إلى الفزع والهيعة إذا تنادوا بها فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأقام على المدينة المنورة أبا لبابة.
فسار حتى بلغ المكدر، ولكن كان أبو سفيان ومن معه قد أمعنوا في الهرب فلم يدركوه، ولكن وجدوا زاد جيشه الذى كان يبلغ نحو المائتين.
وكان أكثر مما تركوا سويقا من أزوادهم، فأخذ المسلمون سويقا كثيرا، وجدوا فيه غذاء طيبا.
ولذا سميت الغزوة ذات السويق.
وقد كانت نتيجة هذه الغزوة إرهابا شديدا للمشركين، وإشعار أولئك الأعداء باليقظة من جانب أهل الإيمان، والحذر من ألا يؤخذوا على غرة.
وكان من نتيجتها أيضا أن علم المشركون أن ليس الطريق لهم ولما لهم غير الهزيمة، وأحسوا بذلك أن الإسلام صار قوة للحق لا ينال منه بغرة، وإذا كانوا قد قتلوا اثنين في حرثهما، فما كان ذلك منالا لأبطال.