106- لم ينقطع محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، عن قومه فى أعمالهم الجماعية، إذا كانت تتعلق بالتعاون على خير يقومون به، فإذا كانوا على أمر جامع ذهب إليه، وشارك فيه ما وسعه المشاركة، من غير أن يرضى بباطل، أو لا يبشر بحق، بل كان دائما مع الحق يستبشر به، وضد الباطل، ينغض رأسه به، من غير صخب ولا شحناء، فما كانت الشحناء من شأنه، ولا المباغضة من خلقه، بل هو فى كل أحواله الودود الحليم، والنفس الطيبة، وكان يحضر دار الندوة إذا انعقدت، ويستمع إلى كبراء العرب، فما يرضيه من قول الحق يستشرف إليه، ويستبشر به، وما لا يكون حقا، يبدو نفوره منه، ولا يرتضيه.
جاء فى كتاب زهر الاداب أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى صباه حضر ندوة قريش، وقد حضر من اليمن كبارهم فنظر إليه قيل من أقيالهم، ورأى فيه نظرات قوية أحيانا، وهادئة مستبشرة أحيانا أخرى، فقال:
مالى أرى هذا الغلام تارة ينظر إليكم بعينى لبؤة، وأخرى بعينى عذراء خفرة، والله لو أن نظرته الأولى كانت سهاما لانتظمت أفئدتكم، فؤادا فؤادا، ولو أن نظرته الثانية كانت نسيما لأنشرت أموآتاكم.
لم يكن منقطعا عن الحياة الجماعية، إذ أنه رسول الرحمة والمحبة وتأليف الجماعات، فلابد أن يكون بينهم فى الكريهة والرخاء، لا يفترق عنهم إلا إذا كان الإثم، فإنه يجانبه من غير مباغضة لأهله، بل
يهداهم إلى الحق واجتناب الاثام، فمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم، ليس من طبعه الاعتزال، بل من طبعه الاتصال بالناس، ليعرف مواطن الصحة ومواطن المرض، فاعتزال الحياة والأحياء ليس من الطبع القوى، بل هو من الضعف العصبى، إلا أن يكون لعبادة، فإنه إن اعتزل الناس استأنس بالله، فيقدم من بعد ذلك على الناس، وقد ادخر لنفسه قوة يسير بها فى الحياة.