637- وكانت فى ربيع الآخر من السنة التاسعة، وذلك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بلغه أن ناسا من أهل الحبشة ظهروا أمام جدة، وبدا أنهم يريدون الغارة عليهم، فأرسل إليهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فذهبوا إليهم، وطاردوهم، وخاضوا البحر، وراءهم فلجأوا إلى الجزيرة، وقد تعجل قوم فى الأوبة فأذن لهم، وأمر عليهم بعض المتعجلين، وقد أراد أن يداعب من معه فأوقد لهم نارا، وأمرهم بالتواثب عليها، فأراد بعضهم أن ينزل فيها، فرده، وقال: إنما كنت أضحك منهم، ولا شك أن هذا تعابث ما كان يجوز، ولذلك لما عادوا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأخبروه الخبر، فقال: «من أمركم بمعصية فلا تطيعوه» .
وكدنا لا نصدق ذلك الخبر لولا أنه روى فى الصحيحين عن على بن أبى طالب ما يؤيده، فعن على أنه قال: «بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سرية، واستعمل عليها رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه، فقال: اجمعوا لى حطبا، فجمعوا، فقال أوقدوا نارا ثم قال: «ألم يأمركم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن تسمعوا؟، قال: فادخلوها، فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا إنما فررنا الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من النار، فسكن غضبه، وأطفئت النار، فلما رجعوا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا! لا طاعة فى معصية الله، إنما الطاعة فى المعروف.
وفى هذه الرواية أن رئيس السرية ركبه الغضب، فعصى الله وعصى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فأمر بما أمر، وإذا أطاعوه فقد أطاعوه فى معصية فعصوا الله، وفيه أن الأمر بالطاعة إنما هو فى
المعروف المعقول لا المنكر عقلا وشرعا، فليعتبر أولئك الذين يقتلون ويرتكبون أشد المنكرات باسم الطاعة، فبذلك تضيع الأمم والجماعات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.