ثم كانت غزوة أكيدر بدومة الجندل، بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالد بن الوليد
__________
[ (1) ] مه: اسم فعل أمر بمعني «اكفف» .
[ (2) ] في (خ) «مسح بظهره» .
من تبوك في أربعمائة وعشرين فارسا- إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل في رجب، وهي على ليال من المدينة،
وكان أكيدر من كندة قد ملكهم، وكان نصرانيا. فقال خالد: يا رسول اللَّه: كيف لي به وهو وسط بلاد كلب، وإنما أنا في أناس يسير؟ فقال ستجده يصيد البقر فتأخذه! وقال: فلا تقتله وأت [ (1) ] به إليّ، فإن أبى فاقتلوه!
فخرج خالد، حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، وفي ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له من الحرّ، ومعه امرأته- الرباب بنت أنيف بن عامر- وقينته تغنيه وقد شرب، فأقبلت البقر تحكّ بقرونها باب الحصن:
فأشرفت امرأته فرأت البقر فقالت: من يترك هذا؟! قال: لا أحد!! قال أكيدر: واللَّه ما رأيت جاءتنا ليلا بقر غير تلك الليلة! ولقد كنت أضمّر لها الخيل- إذا أردت أخذها- شهرا أو أكثر، ثم أركب بالرجال وبالآلة.
فنزل فأمر بفرسه فسرج، وأمر بخيل فأسرجت، وركب معه نفر من أهل بيته معه: أخوه حسان ومملوكان له. فخرجوا من حصنهم بمطاردهم [ (2) ] ، وخيل خالد تنتظرهم: لا يصهل منها فرس ولا يتحرك، فساعة فصل [ (3) ] أخذته الخيل.
وقاتل حسّان حتى قتل عند باب الحصن: وهرب المملوكان ومن كان معهما.
واستلب خالد بن الوليد حسّانا قباء ديباج مخوّصا بذهب، فبعث [به] [ (4) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع عمرو بن أميّة الضمريّ، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجّبون منه، فقال عليه السلام: تعجبون من هذا! والّذي نفسي بيده، لمناديل سعد بن معاذ في الجنّة أحسن من هذا!! وأسلم حريث [بن عبد الملك، أخو] [ (5) ] أكيدر، على ما في يده فسلم له.