وانصرف صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر يريد وادي [ (3) ] القرى، فلما كان بالصهباء أعرس بصفية بنت [ (4) ] حيي مساء، وأو لم عليها [ (5) ] بالحيس والسّويق والتمر [ (6) ] . وبات أبو أيوب الأنصاري رضي اللَّه عنه قريبا من قبته، آخذا بقائم السيف حتى أصبح، وهو يحرسه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
,
[ (1) ] وصفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن
__________
[ (1) ] هي صفية بنت حيي بن أخطب بن سعيه، من سبط اللاوى بن نبي اللَّه إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام، ثم من ذرية رسول اللَّه هارون عليه السّلام. تزوجها قبل إسلامها: سلام ابن أبى الحقيق، ثم خلف عليها كنانة بن أبى الحقيق، وكانا من شعراء اليهود، فقتل كنانة يوم خيبر عنها، وسبيت، وصارت في سهم دحية الكلبي، فقيل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم عنها، وأنها لا ينبغي أن تكون إلا لك، فأخذها من دحية، وعوضه عنها سبعة أرؤس. أخرجه أحمد في (المسند) ، ومسلم في النكاح:
باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها، وأبو داود في الخراج والإمارة، باب ما جاء في سهم الصفي، وابن سعد في (الطبقات) ، كلهم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك.
وأخرجه مسلم من طريق عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: جمع السبي- يعنى بخيبر- فجاءه دحية الكلبي فقال: يا رسول اللَّه! أعطنى جارية من السبي فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل إلى نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا نبي اللَّه! أعطيت دحية صفية بنت حيي سيد قريظة والنضير؟ ما تصلح إلا لك، قال صلّى اللَّه عليه وسلم: ادعوه بها، قال فجاء بها، فلما نظر اليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال:
خذ جارية من السبي غيرها، قال: وأعتقها صلّى اللَّه عليه وسلم وتزوجها. وأخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة خيبر عن طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس، وفيه: وكان في السبي صفية، فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
ثم إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما طهرت، تزوجها وجعل عتقها صداقها. [أخرجه البخاري من حديث أنس في المغازي، باب غزوة خيبر، وفي النكاح، باب من جعل عتق الأمة صداقها، وفي النكاح، باب الوليمة ولو بشاة، ومسلم في النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها، وأخرجه أيضا: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وعبد الرزاق] .
حدث عنها على بن الحسين، وإسحاق بن عبد اللَّه بن الحارث، وكنانة مولاها، وآخرون وكانت رضى اللَّه عنها شريفة عاقلة، ذات حسب، وجمال، ودين.
قال أبو عمر بن عبد البرّ في (الاستيعاب) : روينا أن جارية لصفية أتت عمر بن الخطاب، فقالت: إن صفية تحبّ السبت، وتصل اليهود، فبعث عمر يسألها، فقالت: أما السبت، فلم أحبه منذ أبدلني اللَّه به الجمعة، وأما اليهود، فإن لي فيهم رحما، فأنا أصلها، ثم قالت الجارية: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: الشيطان، قالت: فاذهبي فأنت حرة.
وأخرج الترمذي في (الجامع) ، من طريق هاشم بن سعيد الكوفي، حدثنا كنانة: حدثتنا صفية بنت حيي، قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام، فذكرت له ذلك،
الخزرج بن أبى حبيب بن النضير بن النحام بن ينحوم الإسرائيلي، من سبط هارون بن عمران عليه السّلام، أمها مرة بنت سموأل، كانت عند سلام بن
__________
[ () ] فقال: ألا قلت: وكيف تكونان خيرا منى وزوجي محمد، وأبى هارون، وعمى موسى؟ وكان بلغها أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منها، نحن أزواجه، وبنات عمه. [أخرجه الترمذي في المناقب، والحاكم،
وإسناده ضعيف، لضعف هاشم بن سعيد الكوفي، وباقي رجاله ثقات، لكن يشهد له
حديث أنس عند أحمد، والترمذي من طريق عبد الرزاق، عن معمر عن ثابت، عن أنس قال: بلغ صفية أن حفصة قالت، بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهي تبكى، فقال:
ما يبكيك؟ فقالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهودي، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إنك لابنة نبي، وان عمك لنبي، وانك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك؟ ثم قال: اتقى اللَّه يا حفصة.
وإسناده صحيح] .
قال ثابت البناني: حدثتني سمية- أو شميسة- عن صفية بنت حيي: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حج بنسائه، فيرك بصفية جملها، فبكت، وجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما أخبروه فجعل يمسح دموعها بيده، وهي تبكى، وهو ينهاها،
فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالناس، فلما كان عند الرواح، قال لزينب بنت جحش: أفقرى أختك جملا- وكانت من أكثرهن ظهرا- فقالت: أنا أفقر يهوديتك! فغضب فلم يكلمها، حتى رجع إلى المدينة، ومحرم وصفر، فلم يأتها، ولم يقسم لها، ويئست منه.
فلما كان ربيع الأول دخل عليها، فلما رأته قالت: يا رسول اللَّه، ما أصنع؟ قال: وكانت لها جارية تخبؤها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: هي لك- قال: فمشى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى سريرها، وكان قد رفع، فوضعه بيده، ورضى عن أهله صلّى اللَّه عليه وسلم [أخرجه أحمد في (المسند) ، وابن سعد في (الطبقات) ،
وقوله: أفقرى أختك،
أي أعيرها إياها للركوب، ومنه حديث جابر، أنه اشترى منه بعيرا، وأفقره ظهره إلى المدينة، مأخوذ من ركوب فقار الظهر، وهو خرزاته، والواحدة فقارة] .
وكانت صفية رضى اللَّه عنها ذات حلم ووقار، قيل: توفيت سنة ست وثلاثين، وقيل: توفيت سنة خمسين، [والثاني هو الصحيح، لأن على بن الحسين قد سمع منها حديث زيارتها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في اعتكافه في المسجد، وهو مما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم، وعلى بن الحسين إنما ولد بعد سنة أربعين أو نحوها، ذكره الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) ] . وقبرها بالبقيع. لها ترجمة في:
(مسند أحمد) : 7/ 473- 475، (طبقات ابن سعد) : 8/ 120- 129، (تاريخ خليفة) : 82، 83، 86، (المعارف) : 138، 215، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 231- 238، ترجمة رقم (26) ، (المستدرك) : 4/، (الاستيعاب) : 4/ 1871، ترجمة رقم () ، (جامع الأصول) : 9/ 143، (تهذيب التهذيب) : 12/ 429، ترجمة رقم () ، (الإصابة) : / ترجمة رقم () ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 492، (كنز العمال) : 13/ 637، 704، (المواهب اللدنية) : 2/، (صفة الصفوة) : 2/، ترجمة رقم () ، (شذرات الذهب) : 1/ 12 ورد لها من الحديث عشرة أحاديث، منها واحد متفق عليه [أخرجه البخاري في الاعتكاف.
مشكم، ثم خلف عليها كنانة بن أبى الحقيق اليهودي، فقتل يوم خيبر، وكانت صفىّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مغانم خيبر، ويقال: بل وقعت في سهمه يومئذ هي وأختها، فتزوجها ووهب أختها لدحية بن خليفة، ويقال بل اشتراها بسبعة أرؤس.
وقيل: لما جمع سبى خيبر جاء دحية فقال: يا رسول اللَّه! أعطنى جارية من السبي، فقال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية، فقيل: يا رسول اللَّه! إنها سيدة قريظة والنضير ما تصلح إلا لك، فقال لدحية: خذ جارية غيرها من السبي.
والثابت أنها صارت في سهمه، فأعتقها وجعل عتقها صداقها، وحجبها وأولم عليها بتمر وسويق وقسم لها، فكانت إحدى أمهات المؤمنين، وكانت حليمة عاقلة فاضلة، توفيت في رمضان سنة خمس.
وقال محمد بن عائد. - في (كتاب المغازي) -: حدثنا الوليد عن ابن لهيعة، عن أبى الأسود عن عروة قال: وقد كان قال قبل وفاته: مروا جويرية ابنة الحارث بالحجاب وصفية بنت حيي، وردوا وفود العرب وجهزوهم.
وخرج الطبراني من حديث إسماعيل بن عياش، عن الحجاح بن أرضأة، عن الزهري، عن أنس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم استبرأ صفية بحيضة.
,
[ (1) ] وميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد اللَّه بن
__________
[ (1) ] هي ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد اللَّه بن هلال بن عامر بن صعصعة، الهلالية، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخت أم الفضل زوجة العباس، وخالة خالد بن الوليد، وخالة ابن عباس.
تزوجها أولا مسعود بن عمرو الثقفي قبيل الإسلام، ففارقها، وتزوجها أبو رهم بن عبد العزى، فمات، فتزوج بها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في وقت فراغه من عمرة القضاء، سنة سبع في ذي القعدة، وبنى بها بسرف، وكانت من سادات النساء.
روت عدة أحاديث: سبعة في (الصحيحين) ، وانفرد لها البخاري بحديث، ومسلم بخمسة، وجميع ما روت ثلاثة عشر حديثا.
حدّث عنها ابن عباس، وابن أختها الآخر: عبد اللَّه بن شداد بن الهاد، وعبيد ابن السّباق، وابن أختها الثالث: عبد الرحمن بن الصائب الهلالي، وابن أختها الرابع: يزيد بن الأصم، وكريب مولى بن عباس، ومولاهما: سليمان بن يسار، وأخوه عطاء بن يسار وآخرون.
قال ابن سعد في (الطبقات) : أخبرنا محمد بن عمر، حدثني إبراهيم بن محمد بن موسى، عن الفضيل بن أبى عبد اللَّه، عن على بن عبد اللَّه بن عباس، قال: لما أراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الخروج إلى مكة عام القضية [أي عام عمرة القضية أو القضاء، وذلك في سنة سبع من الهجرة، وقد دخل مكة، ثم خرج بعد إكمال عمرته] بعث أوس بن خوليّ، وأبا رافع إلى العباس، فزوجه بميمونة، فأضلا بعيريهما، فأقاما أياما ببطن رابغ، حتى أدركهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بقديد، وقد ضمّا بعيريهما، فسارا معه حتى قدم مكة، فأرسل إلى العباس، فذكر له ذلك، وجعلت ميمونة أمرها إلى [العباس] ، فخطبها إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فزوجها إياه.
قال عبد الكريم الجزري، عن ميمون بن مهران: دخلت على صفية بنت شيبة عجوز كبيرة، فسألتها: أتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ميمونة وهو محرّم؟ قالت: لا، واللَّه لقد تزوجها وإنهما لحلالان [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) من طريق عبد اللَّه بن جعفر الرقى، ورجاله ثقات] .
أيوب، عن يزيد بن الأصم، قال: خطبها صلّى اللَّه عليه وسلم وهو حلال، وبنى بها وهو حلال [أخرجه مسلم في النكاح، باب تحريم نكاح المحرم، وكراهة خطبته، وابن ماجة عن يزيد بن الأصم، حدثتني ميمونة بنت الحارث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوجها وهو حلال، قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس] .
جرير بن حازم، عن أبى فزارة، عن يزيد بن الأصم، قال: دفنّا ميمونة بسرف، في الظلة التي
هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قبيس بن غيلان بن مضر، أمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة، من حمير، وقيل: من كنانة، وهي أخت أم الفضل لبابة الكبرى، امرأة العباس، ولبابة الصغرى امرأة الوليد بن المغيرة المخزومي أم خالد بن الوليد، وأخت عصماء امرأة أبىّ بن خلف، وعزة امرأة زياد بن عبد اللَّه الهلالي، وأخت أسماء بنت عميس، وسلمى بنت عميس، وسلامة بنت عميس، وزينب بنت خزيمة.
وكانت عند أبى سبرة بن أبى رهم، وقيل: بل كانت عند أبى رهم عبد العزى بن قيس بن عبد ودّ بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن
__________
[ () ] بنى بها فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد كانت حلقت في الحج، نزلت في قبرها أنا وابن عباس. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) والحاكم في (المستدرك) ، وصححه الذهبي، وأقره في (التلخيص) ] .
وعن عطاء: توفيت ميمونة بسرف، فخرجت مع ابن عباس إليها، فقال: إذا رفعتم نعشها فلا تزلزلوها، ولا تزعزعوها. وقيل: توفيت بمكة، فحملت على الأعناق بأمر ابن عباس إلى سرف، وقال: أرفقوا بها، فإنّها أمكم. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) ، والحاكم في (المستدرك) .
وصححه الذهبي في (التلخيص) ] . وقال خليفة في (طبقاته) : توفيت سنة إحدى وخمسين.
لها ترجمة في: (مسند أحمد) : 7/ 463- 473، (طبقات ابن سعد) : 8/ 132- 140، (طبقات خليفة) ، 338، (تاريخ خليفة) : 86، 218، (المعارف) : 137- 344، (المستدرك) : 4/ 33، (الاستيعاب) : 4/ 1914، (تهذيب التهذيب) : 12/ 480، ترجمة رقم (2898) ، (الإصابة) : 8/ 126، ترجمة رقم (11779) ، (خلاصة تذهيب الكمال) :
496، (كنز العمال) : 13/ 708، (شذرات الذهب) : 1/ 12، 58، (المواهب اللدنية) :
2/ 89- 90، (أسماء الصحابة الرواة) : 68، ترجمة رقم (44) ، (سير أعلام النبلاء) :
2/ 238- 245، ترجمة رقم (27) .
وقال أبو عبد اللَّه الحاكم: ومما يتعجب من قضاء اللَّه تعالى وقدره: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بنى بميمونة بنت الحارث بسرف، وردها إلى المدينة عند منصرفه من عمرة القضاء، وبقيت عنده إلى أن خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لفتح مكة، وقد أخرجها معه إلى أن فتح الطائف، وانصرف راجعا إلى المدينة، فماتت ميمونة بسرف في الموضع الّذي بنى بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عند تزويجها. (المستدرك) :
4/ 33، كتاب معرفة الصحابة باب ذكر أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضى اللَّه عنها، حديث رقم (6796/ 2394) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم، ثم قال: وعن ابن شهاب قال: وقدر اللَّه أن يكون موتها بسرف، وقبرت بها.
لؤيّ، وقيل: عند حويطب بن عبد العزى، وقيل: عند أبى رهم بن عبد العزى، وقيل: عند فروة بن عبد العزى بن أسد بن غنم بن دودان، وهو خطأ.
وقيل: هي التي وهبت نفسها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وفيها نزلت: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ [ (1) ] الآية، والثابت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [أرسل] [ (2) ] أبا رافع مولاه، ورجلا من الأنصار يقال له: أوس بن خولى إلى مكة فخطباها عليه، فلما قدم مكة في عمرة القضاء تزوج بها، زوّجه إياها العباس على عشر أواقي ونشّ، وقيل: أربعمائة درهم، ويقال:
تزوجها على ما تركت زينب بنت خزيمة، وخرج من مكة، وخلّف أبا رافع ليحملها، فوافاه بها بسرف، فبنى بها.
وقيل: بل بعث إليها بجعفر بن أبى طالب فخطبها، فجعلت أمرها إلى العباس فزوّجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة، وقيل: بل لقي العباس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالجحفة حين اعتمر عمرة القضية فقال له: يا رسول اللَّه، إن ميمونة بنت الحارث تأيمت، هل لك أن تتزوجها؟ فتزوجها وهو محرم، كما خرجاه في الصحيحين من حديث ابن عباس، وقيل: بل كان حلالّا، كما رواه مسلم عن ميمونة، والترمذي عن أبى رافع وكان اسمها برة، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ميمونة، وبنى بها بسرف بعد ما خرج من مكة، وتوفيت بسرف في الموضع الّذي ابنتي بها فيه رسول اللَّه، وذلك سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة ست وستين، وقيل: سنة ثلاث وستين، وصلّى عليها عبد اللَّه بن عباس، ودخل قبرها هو ويزيد بن الأصم، وعبد اللَّه بن شداد بن الهادي، وهم بنو أخواتها، وعبيد اللَّه الخولانيّ وكان يتيما في حجرها، وهي آخر من تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: ماتت بمكة فحملت إلى سرف [ (3) ] فدفنت هناك.
__________
[ (1) ] الأحزاب: 50.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] موضع على ستة أميال من مكة (معجم البلدان) : 3/ 329، موضع رقم (6378) .
فصل [جامع لأزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم]
فهؤلاء اثنتي عشرة امرأة، واحدة وهبت نفسها، وماتت اثنتان في حياته صلّى اللَّه عليه وسلم، وتوفى عن تسع هن: سودة، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة، وجويرية، وصفية، وميمونة، رضى اللَّه عنهن.
وقد جاء في رواية في الصحيح أنه مات عن إحدى عشرة، والأول أصح، وقال قتادة بن دعامة: أنه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج خمس عشرة امرأة، فدخل بثلاث عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، ومات عن تسع [ (1) ] .
وفي رواية: تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خمس عشرة امرأة، ست منهن من قريش وواحدة من حلفاء قريش، وسبعة من نساء العرب، وواحدة من بنى إسرائيل، ولم يتزوج في الجاهلية غير واحدة [ (2) ] .
وعن الزهري وعبد اللَّه بن محمد بن عقيل قالا: تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثنتى عشرة امرأة عربيّة محصنات، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وقد ثبت عندنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج ثماني عشرة امرأة، سبع [منهن من] قريش، وواحدة من حلفاء قريش، وتسع من سائر قبائل العرب، وواحدة من بنى إسرائيل.
فأول من تزوج خديجة، ثم سودة بمكة، ثم عائشة قبل الهجرة بسنتين، ثم تزوج بالمدينة بعد بدر أم سلمة، ثم حفصة، فهؤلاء الخمسة من قريش، ثم تزوج في سنة ثلاث زينب بنت جحش، ثم في سنة
__________
[ (1) ] ، (2) (دلائل البيهقي) : 7/ 288- 289، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 254.
خمس جويرية، ثم تزوج في سنة ست أم حبيبة بنت أبى سفيان، ثم في سنة سبع صفية بنت حيي، ثم تزوج ميمونة، ثم فاطمة بنت شريح، ثم زينب بنت خزيمة، ثم هند بنت يزيد، ثم أسماء بنت النعمان، ثم أخت الأشعث بن قيس، ثم أسماء السّلمية [ (1) ] .
وقال الماوردي: تزوج ثلاثا وعشرين، ستّ متن قبله، وتسع مات قبلهن، وثمان فارقهن، فاللاتى متن قبله: خديجة، [وزينب أم المساكين] ، وسناء بنت الصلت، وشراف، وخولة بنت الهذيل، وخولة بنت حكيم السلمية ماتت قبل أن يدخل بها، وقيل: هي التي وهبت نفسها.
وروى الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد المقدسي بنحو قول قتادة عن أنس في كتابه (المختار) : وأرجأ من نسائه: سودة، وصفية، وجويرية، وأم حبيبة، وميمونة، والإرجاء أن يرجئ من يشاء منهن متى شاء، ويتركها إذا شاء، وكان ذلك من أمر اللَّه تعالى ورضاه.
وأوى من نسائه: عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة. والإيواء:
أن يقسم لهن ويسوى بينهن. وعن الشعبي في قول اللَّه تعالى: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ، قال: هنّ نساء وهبن أنفسهن للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم لم يدخل بهن، ولم يتزوجهن أحد بعده [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 288- 289، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 254.
[ (2) ] قال الإمام محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسى الغرناطي: روى أن أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلم لمّا تغايرن وابتغين زيادة النفقة فهجرهن شهرا، نزل التغيير: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب: 28- 29] ، أشفقن أن يطلقهن، فقلن:
يا رسول اللَّه، أفرض لنا من نفسك ومالك ما شئت، والظاهر أن الضمير في (منهن) عائد على أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلم. والإرجاء: الإيواء.
قال ابن عباس والحسن: في طلاق ممن تشاء ممن حصل في عصمتك، وإمساك من تشاء. وقالت
وخرج الإمام أحمد من حديث عمار، عن ثابت عن أنس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أرسل أم سليم تنظر إلى جارية فقال: شمّى عوارضها وانظري إلى عرقوبها [ (1) ] ،
وأما النساء اللاتي لم يدخل بهن فهن:
الكلبية، تزوجها
__________
[ () ] فرقة: في تزوج من تشاء من الواهبات، وتأخير من تشاء. وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك:
وتقرر من شئت في القسمة لها، وتؤخر عنك من شئت، وتقلل لمن شئت، وتكثر لمن شئت، لا حرج عليك في ذلك، فإذا علمن أن هذا حكم اللَّه وقضاؤه، زالت الإحنة والغيرة عنهن، ورضين وقرت أعينهن، وهذا مناسب لما روى في سبب هذه الآية المتقدم ذكره.
وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ: أي ومن طلبتها من المعزولات ومن المفردات، فَلا جُناحَ عَلَيْكَ في ردها أو إيوائها إليك. ويجوز أن يكون ذلك توكيدا لما قبله، أي ومن ابتغيت ممن عزلت ومن عزلت سواء، لا جناح عليك. كما تقول: من لقيك ممن لم يلقك، جميعهم لك شاكر، تريد من لقيك ومن لم يلقك، وفي هذا الوجه حذف المعطوف، وغرابة في الدلالة على هذا المعنى بهذا التركيب، والراجح القول الأول.
وقال الحسن: المعنى: من مات من نسائك اللواتي عندك أو خلّيت سبيلها، فلا جناح عليك أن تستبدل عوضا من اللاتي أحللت لك، فلا تزداد على عدة نسائك اللاتي عندك.
وقال الزمخشريّ: معنى تترك مضاجع من تشاء منهن وتضاجع من تشاء، أو تطلق من تشاء، وتمسك من تشاء، أو لا تقسم لأيتهن شئت، وتقسم لمن شئت، أو تترك من تشاء من أمتك وتتزوج من شئت.
وعن الحسن: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها، وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض، لأنه إما أن يطلق، وإما أن يمسك، فإذا أمسك ضاجع، أو ترك وقسم، أو لم يقسم، وإذا طلق وعزل، فإما أن يخلى المعزولة لا يتبعها أو يتبعها.
وروى أنه صلّى اللَّه عليه وسلم أرجأ منهن: سودة، وجويرية، وصفية، وميمونة، وأم حبيبة، وكان يقسم لهن ما شاء كما شاء، وكانت ممن أوى إليه: عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب، أرجأ خمسا وأوى أربعا.
وروى أنه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يسوى بينهن مع ما أطلق له وخيّر فيه إلا سودة، فإنّها وهبت ليلتها لعائشة وقالت: لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك.
ذلك التفويض إلى مشيئتك أدنى إلى قرة عيونهن، وانتفاء حزنهن ووجود رضاهن، إذا علمت أن ذلك التفويض من عند اللَّه، فحالة كل منهن كحالة الأخرى في ذلك. (البحر المحيط) :
8/ 494- 496.
[ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 110، حديث رقم (13012) .
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما دنا [منها] قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: «عذت بعظيم، الحقي بأهلك» [ (1) ] .
وقيل: دخل بها، ولكنه لمّا خير نساءه اختارت قومها ففارقها، فكانت بعد ذلك تلقط البعر، وتدخل على أمهات المؤمنين فيتصدقن عليها وتقول: أن الشقية. وماتت عند أهلها سنة ستين، وكان تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بها في سنة ثمان منصرفه من الجعرانة، وقيل: إنها ابنة الضحاك بن سفيان الكلابي، واسمها فاطمة، وقيل إن الضحاك الكلابي عرض ابنته على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال من صفتها كذا وكفاك من صحة بدنها أنها لم تمرض قط ولم تصدع، فقال: لا حاجة لنا فيها، هذه تأتينا بخطاياها [ (2) ] .
وقال الكلبي: التي قال أبوها أنها لم تصدع قط وعرضها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: لا حاجة لنا بها: سلميّة، وأما الكلبية فاختارت قومها، فذهلت وذهب عقلها، فكانت تقول: أنا الشقية، خدعت [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 287، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 257- 259.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 288.
[ (3) ] وأخرج البخاري في كتاب الطلاق، باب (3) من طلّق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟
حديث رقم (5254) : حدثنا الحميدي، حدثنا الوليد، حدثنا الأوزاعيّ قال: سألت الزهري:
أي أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم استعاذت منه؟ قال: أخبرنى عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ودنا منها قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال لها: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك. قال أبو عبد اللَّه: رواه حجاج بن أبى منيع عن جده، عن الزهري أن عروة أخبره أن عائشة قالت ...
وحديث رقم (5255) :
حدثنا أبو نعيم، حدثنا عبد الرحمن بن غسيل، عن حمزة بن أبى أسيد، عن أبى أسيد رضى اللَّه عنه قال: خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط، حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اجلسوا هاهنا، ودخل، وقد أتى بالجونية، فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحبيل، ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: هبي نفسك لي، قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن، فقالت: أعوذ باللَّه منك. فقال: قد عذت بمعاذ، ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد، اكسها رازقين، وألحقها بأهلها.
__________
[ () ] وحديث رقم (5256، 5257) : وقال الحسين بن الوليد النيسابورىّ عن عبد الرحمن، عن عباس بن سهل، عن أبيه وأبى أسيد قالا: تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أميمة بنت شراحبيل، فلما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقين.
وأخرج في كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وآنيته، حديث رقم (5637) :
حدثنا سعيد بن أبى مريم، حدثنا أبو غسان قال: حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد رضى اللَّه عنه قال: ذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد الساعدي أن يرسل إليها، فأرسل إليها، فقدمت فنزلت في أجم بنى ساعدة، فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى جاءها فدخل عليها، فإذا امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قالت: أعوذ باللَّه منك! فقال: قد أعذتك منى، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ قالت: لا، قالوا: هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جاء ليخطبك، قالت: كنت أنا أشقى من ذلك.
فأقبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ. حتى جلس في سقيفة بنى ساعدة هو وأصحابه......
قال الحافظ في (الفتح) : ووقع في كتاب (الصحابة) لأبى نعيم، من طريق عبيد بن القاسم عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن عمرة بنت الجون تعوذت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين أدخلت عليه، قال: لقد عذت بمعاذ ...
الحديث، وعبيد متروك. والصحيح أن اسمها أميمة بنت النعمان بن شراحبيل، كما في حديث أبى أسيد، وقال مرة: أميمة بنت شراحبيل، فنسبت لجدها، وقيل: اسمها أسماء كما سأبينه في حديث أبى أسيد مع شرحه مستوفى.
وروى ابن سعد عن الواقدي، عن ابن أخى الزهري، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت:
تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الكلابية ... فذكر مثل حديث الباب. وقوله: الكلابية غلط، وإنما هي الكندية، فكأنما الكلمة تصحفت. نعم، للكلابية قصة أخرى، ذكرها ابن سعد أيضا بهذا السند إلى الزهري وقال: اسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان، فاستعاذت منه فطلقها، فكانت تلقط البعر وتقول:
أنا الشقية، قال: وتوفيت سنة ستين.
ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن الكندية لما وقع التخيير اختارت قومها، ففارقها، فكانت تقول: أنا الشقية. ومن طريق سعيد بن أبى هند أنها استعاذت منه فأعاذها، ومن طريق الكلبي اسمها العالية بنت ظبيان بن عمرو.
وحكى ابن سعد أيضا أن اسمها عمرة بنت يزيد بن عبيد، وقيل: بنت يزيد بن الجون. وأشار ابن سعد إلى أنها واحدة اختلف في اسمها، والصحيح أن التي استعاذت منه هي الجونية، وروى ابن سعد من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: لم تستعذ منه امرأة غيرها.
قلت: وهو الّذي يغلب عليه الظن، لأن ذلك إنما وقع للمستعيذة بالخديعة المذكورة، فيبعد أن تخدع أخرى بمثل ما خدعت به، بعد شيوع الخبر بذلك.
قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج الجونية، واختلفوا في سبب فراقه، فقال قتادة: لما دخل عليها دعاها فقالت: تعال أنت. فطلقها، وقيل: كان بها وضح كالعامرية. قال:
وقال الواقدي: تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم امرأة من بنى عامر، فكان إذا خرج اطلعت إلى أهل المسجد، فأخبرته أزواجه بذلك، فقال إنكن تبغين عليها، فقلن: نحن تركنها وهي تطلع، فلما رآها فارقها.