ثم كان قتل كعب بن الأشرف اليهودي لأربع عشرة من شهر ربيع الأول على رأس خمسة عشر شهرا [ (3) ] وذلك أنه كان من بني نبهان بن طيِّئ حليفا لبني قريظة، وأمه من بني النضير، وكان عدوّا للَّه ولرسوله يهجو النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، ويحرّض عليهم كفار قريش في شعره، ثم خرج إلى مكة بعد بدر فجعل يرثي [قتلى بدر ويحرّض] [ (4) ] قريشا، وعاد إلى المدينة.
,
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اكفني ابن الأشرف بما شئت- في إعلانه الشرّ وقوله الأشعار- وقال: من لي بابن الأشرف فقد آذاني. فقال محمد بن مسلمة: أنا به يا رسول اللَّه، وأنا أقتله، قال: فافعل.
وأمره بمشاورة سعد بن معاذ، فاجتمع محمد بن مسلمة ونفر من الأوس منهم عباد بن بشر بن وقش بن رغبة بن زعورا ابن عبد الأشهل، وأبو نائلة سلكان بن سلامة والحارث بن أوس [بن معاذ، وأبو عبس بن جبر أحد بني حارثة] [ (5) ]
فقالوا: يا رسول اللَّه، نحن نقتله فأذن لنا فلنقل، قال: قولوا [ (6) ] .
فأتاه أبو نائلة وهو في نادي قومه- وكان هو ومحمد بن
__________
[ (1) ] جمع راع.
[ (2) ] في (خ) «بنعم» .
[ (3) ] كذا بالأصل والصواب من (المغازي) ج 1 ص 184 ومن (ابن سعد) ج 2 ص 31 «خمسة وعشرين شهرا من مهاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (4) ] زيادة للإيضاح.
[ (5) ] زيادة من (ابن هشام) ج 3 ص 10.
[ (6) ] قال يقول: كناية عن بعض الكذب في الحديث.
مسلمة أخويه من الرضاعة- فتحدثا وتناشدا الأشعار حتى قام القوم، فقال له:
كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب، ورمتنا عن قوس واحدة، وتقطعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس، وضاع العيال، فقال كعب: قد كنت أحدثك بهذا أن الأمر سيصير إليه، قال أبو نائلة: ومعي رجال من أصحابي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بها فنبتاع منك طعاما وتمرا، ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة، واكتم عنا ما حدثتك من ذكر محمد، قال: لا أذكر منه حرفا، لكن اصدقني، ما الّذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتنحي عنه، قال:
سررتني، فماذا ترهنونني! قال الحلقة [ (1) ] ، فرضي. وقام أبو نائلة من عنده على ميعاد. فأتى أصحابه فأجمعوا أن يأتوه إذا أمسى لميعاده،
وأخبروا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمشى معهم ووجههم من البقيع [ (2) ] ، وقال: امضوا على بركة اللَّه وعونه،
وذلك بعد أن صلوا العشاء في ليلة مقمرة مثل النهار، فأتوا ابن الأشرف فهتف به أبو نائلة- وكان حديث عهد بعرس [ (3) ]- فوثب ونزل من حصنه إليهم، فجعلوا يتحادثون ساعة، ثم مشوا قبل شرج العجوز [ (4) ] ليتحادثوا بقية ليلتهم، فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب وقال: ما أطيب عطرك هذا!! ثم مشى ساعة وعاد لمثلها وأخذ بقرون [ (5) ] رأسه فضربه الجماعة بأسيافهم، ووضع محمد بن مسلمة مغولا [ (6) ] معه في سرة كعب حتى انتهى إلى عانته، فصاح صيحة أسمعت جميع آطام اليهود، فأشعلوا نيرانهم.
واحتز الجماعة رأس كعب واحتملوه وأتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وقد قام يصلي ليلته بالبقيع- فلما بلغوه كبروا فكبّر صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم قال: أفلحت الوجوه، فقالوا:
ووجهك يا رسول اللَّه. ورموا برأس كعب بين يديه، فحمد اللَّه على قتله،
وتفل على جرح الحارث بن أوس، وكان قد جرح ببعض سيوف أصحابه فبرأ من وقته.
وأصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف فقال: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه،
فخافت اليهود فلم يطلع عظيم من عظمائهم ولم ينطقوا،
__________
[ (1) ] الحلقة: السلاح عامة والدروع خاصة.
[ (2) ] بقيع الغرقد بالمدينة.
[ (3) ] يعني ابن الأشرف.
[ (4) ] شرج العجوز: موضع قرب المدينة. (معجم البلدان) ج 3 ص 334.
[ (5) ] ضفائر رأسه.
[ (6) ] سيف دقيق قصير ماض يكون في جرف سوط يشده القاتل على وسطه ليغتال به الناس.
(وخافوا أن يبيّتوا كما بيت ابن الأشرف) [ (1) ] .