فخرّج البخاري من حديث عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ ارزق آل محمد قوتا. ذكره في باب كيف كان عيش النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] .
وخرّجه عنه مسلم بمثله في كتاب الأدب. وفي رواية: اللَّهمّ ارزق آل محمد قوتا، وفي رواية: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا، وفي رواية: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد كفافا.
وقال محمد بن دينار الأزدي عن هشام بن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما رفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قط عشاء الغداء ولا غداء العشاء، ولا اتخذ من شيء زوجين، لا قميصين ولا رداءين ولا إزارين ولا من النعال، ولا
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) ج 3 ص 198.
[ (2) ] زيادة من (الحلية) .
[ (3) ] في الحلية «للمسلمين» .
[ (4) ] (حلية الأولياء لأبي نعيم) ج 8 ص 130.
[ (5) ] (صحيح البخاري) ج 4 ص 123.
رئي قط فارغا في بيته، إما يخصف نعلا لرجل مسكين، أو يخيط ثوبا لأرملة.
وخرّج البخاري من حديث عبد الرزّاق عن معمر عن همام سمع أبا هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لو كان عندي أحد ذهبا لأحببت أن لا تأتي ثلاث وعندي منه دينار، ليس شيء أرصده في دين عليّ أجد من يقبله. ذكره في كتاب التمني في باب تمني الخير [ (1) ] .
وخرّج في كتاب الرقاق من حديث يونس عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، قال أبو هريرة: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرّني ألا تمرّ عليّ ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين. وذكره في كتاب الاستقراض في باب أداء الدين، قال بعقبه: رواه صالح وعقيل عن الزهري.
وذكر في الرقاق حديث أبي ذر رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما يسرّني أن عندي يمثل أحد ذهبا تمضي عليّ ثلاثة وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لديني.
وخرّجه مسلم من طرق، وخرّجه الإمام أحمد أيضا، ولأحمد من حديث الأعمش عن شقيق [ (2) ] ، عن مسروق عن عائشة قالت: ما ترك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دينارا ولا درهما، ولا شاة ولا بعيرا، ولا أوصى بشيء.
ولابن سعيد من حديث الأعمش عن عمرو بن عمر، عن أبي نصر، سمعت عائشة تقول: إني لجالسة مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في البيت، فأهدى لنا أبو بكر رجل شاة، فإنّي لأقطعها مع رسول اللَّه في ظلمة البيت، فقال لها قائل: يا محمد! ألكم سراج؟ فقالت: لو كان لنا ما يسرج به أكلناه.
وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد أخفت في اللَّه ولا أخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه وما يؤذي [ (3) ] أحد، ولقد أتت عليّ ما بين ثلاثين من يوم وليلة، ما لي طعام آكله إلا شيء يواريه إبط بلال. خرجه ابن حبان في صحيحه.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) ص 249.
[ (2) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وأثبتناها من (المسند) .
[ (3) ] في (خ) «يؤذا» .
وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا وكيع عن حماد عن ثابت عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد أوذيت في اللَّه وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في اللَّه وما نخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثة ما بين يوم وليلة ما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما والاه إبط بلال.
وأما أنه لا يدّخر إلّا قوت أهله
فخرج ابن حبان من حديث قيس بن حفص، أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يدخر شيئا.
وخرّج البخاري من حديث عمر بن سعيد قال: أخبرني ابن أبي مليكة عن عقبة قال: صليت وراء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة العصر، فسلم فقام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم فرأى أنهم عجبوا من سرعته فقال: ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته.
وفي حديث روح فقال: ذكرت وأنا في الصلاة تبرأ عندنا، فكرهت أن يمسى أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته [ (1) ] . ذكره في كتاب الصلاة في باب يفكر الرجل [ (2) ] [في] [ (3) ] الشيء في الصلاة، وذكره في كتاب الزكاة في باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها ولفظه: فقال: فقال: كنت خلفت في البيت تبرأ من الصدقة،
__________
[ (1) ]
الحديث رقم (1221) : «حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا روح، حدثنا عمر- هو ابن سعيد- قال: أخبرني ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث رضي اللَّه عنه قال: صليت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم العصر، فلما سلّم قام سريعا دخل على بعض نسائه، ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته، فقال:
ذكرت- وأنا في الصلاة- تبرأ عندنا، فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته» (فتح الباري) ج 3 ص 115.
[ (2) ] والتقييد بالرجل لا مفهوم له، لأن بقية المكلّفين في حكم ذلك سواء، قال المهلب: التفكر أمر غالب لا يمكن الاحتراز منه في الصلاة ولا في غيرها، لما جعل اللَّه للشيطان من السبيل على الإنسان، ولكن يفترق الحال في ذلك، فإن كان في أمر الآخرة والدين، كان أخفّ مما يكون في أمر الدنيا. (المرجع السابق) ص 121.
[ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (البخاري) بدونها- وروح: هو روح بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي أبو محمد البصري. (تهذيب التهذيب) ج 3 ص 253.
فكرهت أن أبيته فقسمته [ (1) ] ، وذكره في كتاب الاستئذان في باب من أسرع في مشيه لحاجة [أو قصد] [ (2) ] .
وخرّج تقي بن مخلد من حديث محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في وجعه الّذي مات فيه: ما فعلت تلك الذّهب؟ قالت: هي عندنا، قال: آتيني بها- وهي بين السبعة والخمسة- فجعلها في كفه ثم قال: ما ظن محمد باللَّه لو لقي ربه وهذه عنده؟ أنفقيها [ (3) ] .
وخرّجه الإمام أحمد من حديث محمد بن عمرو، قال: حدثني أبو سلمة قال قالت عائشة رضي اللَّه عنها: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مرضه الّذي مات فيه: ما
__________
[ (1) ]
الحديث رقم (1430) : «حدثنا أبو عاصم، عن عمر بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، أن عقبة بن الحارث رضي اللَّه عنه حدّثه قال: «صلّى بنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم العصر فأسرع، ثم دخل البيت، فلم يلبث أن خرج، فقلت: أو قيل- له فقال: كنت خلّفت في البيت تبرأ من الصدقة، فكرهت أن أبيّته فقسمته» . (فتح الباري) ج 3 ص 381.
قوله: «أن أبيّته»
أي أتركه حتى يدخل عليه الليل، يقال: بات الرجل: دخل في الليل، وبيّته: تركه حتى دخل في الليل.
قال ابن بطال: فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به، فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود.
زاد غيره: وهو أخلص للذمة، وأنفى للحاجة، وأبعد من المطل المذموم، وأرضى للرب، وأمحى للذنب. (المرجع السابق) ص 382.
[ (2) ] زيادة من البخاري، والحديث رقم (6275) : «حدثنا أبو عاصم عن عمر بن سعيد، عن ابن أبي مليكة أن عقبة بن الحارث حدّثه قال: صلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم العصر، فأسرع ثم دخل البيت» (فتح الباري) ج 11 ص 79.
[ (3) ] ذكره ابن حبان في كتاب الرقاق، باب الفقر والزهد والقناعة، وعنون له: ذكر ما يستحب للمرء أن يكون خروجه من هذه الدنيا الفانية الزائلة وهو صفر اليدين ممّا يحاسب عليه مما في عنقه، حديث رقم (715) :
أخبرنا إسماعيل بن داود بن وردان بالفسطاط، حدثنا عيسى بن حماد، أخبرنا الليث، عن ابن عجلان، عن أبي حازم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أنها قالت: اشتدّ وجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعنده سبعة دنانير أو تسعة، فقال: «يا عائشة، ما فعلت تلك الذهب» ؟ فقلت: هي عندي، قال: «تصدّقي بها» قالت: فشغلت به ثم قال: «يا عائشة، ما فعلت تلك الذهب» ؟
فقلت: هي عندي، فقال: «ائتني بها» ، قالت: «فجئت بها، فوضعها في كفه، ثم قال: «ما ظن محمد أن لو لقي اللَّه وهذه عنده؟ ما ظن محمد أن لو لقي اللَّه وهذه عنده» ؟
هذا الحديث إسناده حسن، وابن عجلان صدوق، روى له مسلم متابعة، وباقي رجاله على شرط الصحيح. (الإحسان) ج 2 ص 491- 492.
فعلت بالذهب؟ فجاءت ما بين الخمسة إلى السبعة أو الثمانية أو التسعة، فجعل يقلبها بيده ويقول: ما ظن محمد باللَّه لو لقيه وهذه عنده؟ أنفقيها [ (1) ] .
ولأبي ذر عبد بن أحمد الهروي من حديث مفضل بن صالح قال: حدثني سليمان الأعمش عن طلحة بن مصرف الهمدانيّ عن مسروق عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أطعمنا يا بلال، قال: يا رسول اللَّه! ما عندي إلا صبر من تمر خبأته لك، قال: أما تخشى أن يخسف اللَّه به في نار جهنم، أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) ج 7 ص 74، حديث رقم (23702) ، وص (261، حديث رقم 24964) .
[ (2) ]
الطبراني في الكبير، والبزار في مسندة، من حديث عاصم بن علي، والطبراني فقط، وكذا القضاعي في مسندة، من حديث مالك بن إسماعيل كلاهما عن قيس بن الربيع، عن أبي حصين، عن يحيى بن وثاب، عن مسروق، عن ابن مسعود، قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على بلال وعنده صبر من تمر، فقال: «ما هذا يا بلال؟» قال: يا رسول اللَّه ذخرته للَّه، ولضيفانك، قال: «أما تخشى أن يفور لها بخار من جهنم، أنفق يا بلال» ، وذكره، قال البزار: هكذا رواه جماعة عن قيس، وخالفهم يحيى بن كثير عنه، فقال: عن عائشة بدل ابن مسعود.
وتابعه طلحة بن مصرف، عن مسروق، عن عائشة؟
أخرجه العسكري في (الأمثال) ، من طريق مفضل بن صالح، عن الأعمش، عن طلحة به، ولفظهما قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أطعمنا يا بلال» فقال: يا رسول اللَّه ما عندي إلا صبر تمر خبأته لك فقال: «أما تخشى أن يقذف به في نار جهنم، أنفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالا» .
وقيل عن مسروق، عن بلال، أخرجه البزار من طريق محمد بن الحسن الأسدي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق، عن بلال، ولفظه: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعنده صبر من المال. فقال: «أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا» .
ومن هذا الوجه، أخرجه الطبراني، بلفظ: «أنفق يا بلال» .
وقال البزار: لم يقل عن بلال إلا محمد بن الحسن، وقيل: عن مسروق مرسلا بدون صحابي.
وفي الباب عن أبي هريرة، أخرجه البزار، من حديث موسى بن داود، عن مبارك بن فضالة، عن يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل على بلال وعنده صبر من تمر، فقال: «ما هذا؟» قال: أدخره، فقال: «أما تخشى أن يرى له بخار في نار جهنم، أنفق يا بلال، ولا تخشى من ذي العرش إقلالا» وقال: تفرد به مبارك» وكذا أخرجه الطبراني في الكبير، من حديث موسى بن داود، وإسناده حسن. ولكن خولف مبارك، فرواه بشر بن المفضل، ويزيد بن زريع، كلاهما عن يونس مرسلا بدون أبي هريرة، وكذلك اختلف على عوف بن أبي جميلة في وصله وإرساله.
وقال الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي اللَّه عنه قال:
كانت أموال بني النضير مما أفاء اللَّه على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل اللَّه [ (1) ] .
وقال وكيع عن ابن عيينة قال: قال لي معمر: قال لي الثوري: هل سمعت في الرجل يجمع لأهله قوت سنتهم أو بعض سنتهم؟ قال معمر: فلم يحضرني، ثم ذكرت حدثناه حدثناه الزهري عن مالك بن أوس عن عمر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نحل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم. هذا الحديث والّذي قبله واحد، وهو متفق عليه، وبهذا تبين أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يعطي نفقاتهم ولا يدخر لنفسه.
وأما صفة عيشه وعيش أهله [ (2) ]
فقال الأسود عن عائشة رضي اللَّه عنها: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى إلى سبيله.
__________
[ () ] فأخرجه البيهقي في (الشعب) من حديث عثمان بن الهيثم، حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل على بلال وعنده صبر من تمر، فقال: «ما هذا يا بلال؟» قال:
تمر ذخرته، فقال: «أما تخشى يا بلال أن يكون له بخار في نار جهنم، أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا» ، قال: وخالفه روح بن عبادة، فرواه عن عوف، عن ابن سيرين، قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بلال فوجد عنده تمر أدخره، فذكره مرسلا، ثم ساقه كذلك.
وكذا اختلف فيه على ابن عون، فقال معاذ بن معاذ، ومحمد بن أبي عدي عنه عن ابن سيرين مرسلا، وأخرجه الطبراني، والبيهقي في (الدلائل) ، من حديث بكار بن محمد السيريني، حدثنا ابن عون به متصلا،
فلفظ البيهقي: «أنفق بلال» ،
ولفظ الآخر: «أنفق يا بلال» .
ولم يختلف على هشام بن حسان، في وصله، فأخرجه أبو يعلي، والطبراني، من حديث حرب بن ميمون، حدثنا هشام فقط،
فلفظ أبي يعلي: «أنفق يا بلال، ولا تخافنّ من ذي العرش إقلالا» ، ولفظ الطبراني: «ولا تخش» .
وما يحكى على لسان كثيرين في لفظ هذا الحديث، وأنه بلالا، ويتكلفون في توجيه لكونه نهيا عن المنع وبغير ذلك، فشيء لم أقف له على أصل.
[ (1) ] (المغازي) ج 1 ص 378.
[ (2) ] (صحيح سنن ابن ماجة) باب رقم (48) باب خبز البرّ، وباب رقم (49) باب خبز الشعير، وفيهما الأحاديث:
(3343) : عن أبي هريرة أنه قال: والّذي نفسي بيده، ما شبع نبي اللَّه ثلاثة أيام تباعا من خبز الحنطة حتى توفاه اللَّه عز وجل.
وفي رواية: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة ثلاث ليال تباعا من خبز بر حتى توفى. وفي لفظ: ما شبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أيام تباعا حتى مضى لسبيله. وفي لفظ: ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وقال عبد الرحمن بن عائش عن أبيه عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق باللَّه، وفي لفظ: ما شبع آل محمد من خبز بر فوق ثلاث.
وقال هلال عن عروة عن عائشة قالت: ما أكل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر. وفي لفظ: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا إحداهما تمر [ (1) ] .
وقال ابن قسيط عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: لقد مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين.
وقال منصور بن عبد الرحمن عن أمه عن عائشة: توفّي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين شبعنا من الأسودين التمر والماء. وفي لفظ: وما شبعنا من الأسودين. وقال عكرمة عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر.
وقال أبو حازم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: والّذي نفسي بيده، ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض. وفي لفظ: ما أشبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا.
وخرّج ابن عساكر من حديث حماد عن إبراهيم عن عائشة أنها قالت: ما شبع
__________
[ () ] (3344) : عن عائشة، قالت: ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ قدموا المدينة ثلاث ليال تباعا من خبز برّ حتى توفي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
(3345) : عن عائشة قالت: لقد توفي النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفّ لي. فأكلت منه حتى طال عليّ، فكلته ففني.
(3346) : عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم من خبز الشعير حتى قبض.
(3347) : عن ابن عباس، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون العشاء، وكان عامة خبزهم خبز الشعير. ونحوه (مسند أحمد) ج 6 ص 255، حديث رقم (25644) .
[ (1) ] (المستدرك 9 ج 4 ص 106، ولفظه: «ما أكل آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم أكلتين إلا إحداهما تمر» وقال:
هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
آل محمد ثلاثة أيام متتابعات من خبز البرّ حتى ذاق محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم الموت، وما زالت الدنيا علينا عسرة حتى مات صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما مات انصبّت الدنيا علينا صبا [ (1) ] .
__________
[ (1) ] عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: «كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء، إلا أن يؤتى باللّحيم» ، وفي رواية قالت: «ما شبع آل محمد من خبز البر ثلاثا حتى مضى لسبيله» ، وفي أخرى قالت: «ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام ثلاث ليال تباعا حتى قبض» ، وفي أخرى: «ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» .
وفي أخرى قالت: «ما أكل آل محمد أكلتين في يوم واحد إلا وإحداهما تمر» وفي أخرى كانت تقول لعروة: «واللَّه يا ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين- وما أوقد في أبيات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نار، قال: قلت: يا خالة، فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ألبانها فيسقيناه» .
وفي أخرى قالت: «توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين شبع الناس من الأسودين: التمر والماء» ، وفي رواية:
«ما شبعنا من الأسودين» .
هذه روايات البخاري ومسلم. ولمسلم أيضا قالت: «لقد مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين» .
وأخرج الترمذي الرواية الأولى، إلى قوله: «الماء» والرابعة وله في أخرى عن مسروق، قال: «دخلت على عائشة، فدعت لي بطعام فقالت: ما أشبع فأشاء أن أبكي إلا بكيت، قلت: لم؟ قالت: أذكر الحال التي فارق عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الدنيا، واللَّه ما شبع من خبز ولحم مرتين في يوم» .
المنائح: جمع منيحة، وهي الناقة يعيرها صاحبها إنسانا ليشرب لبنها ويعيدها.
الأسودين: السواد: من صفات التمر، لأن الغالب على أنواع تمر المدينة السواد، فأما الماء فليس بأسود، وإنما جعل أسود حيث قرن بالتمر، فغلّب أحدهما على الآخر فسمّى به، وهذا من عادة العرب يفعلونه بالشيئين- يصطحبان، فيغلبون اسم الأشهر، كقولهم: «القمران» للشمس والقمر.
رواه (البخاري) في الأطعمة باب ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه يأكلون، وفي الرقاق، باب كيف كان عيش النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا.
و (لمسلم) في الزهد والرقائق، رقم (2970) ، (2971) ، (2972) ، (2973) .
(مسلم بشرح النووي) ج 18 ص 315- 318 و (الترمذي) في معيشة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهله رقم (2357) ، (2358) صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورقم (2471) في صفة القيامة باب رقم 34 (صحيح سنن الترمذي) ج 4 ص 500، 556.
وقال سعيد المقبري عن أبي هريرة: أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلّية، فدعوه فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير [ (1) ] .
وهذه الأحاديث: منها ما خرّجاه، ومنها ما خرّجه أحدهما، وللترمذي من حديث ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس، رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون شيئا، وكان أكثر خبزهم الشعير. قال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] .
ولتقي بن مخلد من حديث عقبة بن مكرم، أخبرنا عبد اللَّه بن خراش عن العوام عن المسيب بن رافع عن أبي هريرة قال: ما ترك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دينارا ولا درهما، ولا عبدا ولا أمة، ولا شاة ولا بعيرا، ولقد كان يربط على بطنه حجرا من الجوع [ (3) ] .
ولمسلم من حديث أبي الأحوص عن سماك قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. وخرّجه الترمذي [ (4) ] بهذا الإسناد مثله وقال: هذا حديث [حسن] [ (5) ] صحيح.
ولمسلم من حديث شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان يخطب قال:
ذكر عمر رضي اللَّه عنه ما. صاب الناس من الدنيا، [فقال] [ (5) ] لقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يظل] [ (6) ] اليوم يتلوى ما يجد دقلا يملأ به بطنه [ (7) ] .
وخرّج البخاري من حديث هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس رضي اللَّه عنه
__________
[ (1) ] ونحوه في (سنن الترمذي) ج 4 ص 9 حديث رقم (2462) ، (2463) باب ما جاء في معيشة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، و (مسلم) في الزهد حديث رقم (2976) .
[ (2) ] المرجع السابق حديث رقم (2465) .
[ (3) ] ونحوه في (سنن الترمذي) ج 4 ص 15 حديث رقم (2476) وقال فيه: «ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر ورفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن حجرين» وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
[ (4) ] المرجع السابق ص 15 حديث رقم 2477.
[ (5) ] زيادة من المرجع السابق والدّقل: ضعف الجسم، والدّقل أردأ التمر.
زيادة من (صحيح مسلم) .
[ (6) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وأثبتناها من (صحيح مسلم) .
[ (7) ] (مسلم بشرح النووي) ج 18 ص 109.
أنه مشى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم درعا له بالمدينة عند يهوديّ وأخذ منه شعيرا لأهله. ولقد سمعته يقول: ما أمسى عند آل محمد صاع برّ ولا صاع حبّ، وإن عنده لتسع نسوة. ذكره في كتاب البيوع في باب شراء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنسيئة [ (1) ] . وذكره الترمذي في جامعه بهذا السند وقال: هذا حديث حسن صحيح، ذكره في البيوع [ (2) ] .
وخرّج البخاري من حديث همام بن حيي، أخبرنا قتادة قال: كنا نأتي أنس بن مالك و [خبّازه] [ (3) ] قائم فقال [ (4) ] : كلوا فما أعلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى رغيفا مرقّقا حتى لحق باللَّه، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط. ذكره في الرقاق وفي كتاب الأطعمة [ (5) ] .
وله من حديث قتادة عن أنس [ (6) ] قال: ما علمت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أكل على [ (7) ] سكرجة قط ولا خبز له مرقق قط، ولا أكل على خوان [ (8) ] ، قيل لقتادة:
فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على السّفر [ (9) ] .
ولأحمد من حديث سليمان بن رومان عن عروة عن عائشة أنها قالت: والّذي بعث محمدا بالحق، ما رأى منخلا ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه اللَّه إلى أن قبضه، فقلت: كيف كنتم تأكلون الشعير؟ قالت: كنا نقول: أفّ أفّ.
ولأبي ذر الهروي من حديث حماد عن ثابت عن أنس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لقد أخفت في اللَّه وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ من بين يوم وليلة وما لي طعام نأكله إلا شيء يواريه إبط بلال.
وخرّج البخاري [ (10) ] من حديث أبي حازم: سألت سهل بن سعد فقلت: هل
__________
[ (1) ] (صحيح البخاري بحاشية السندي) ج 2 ص 6.
[ (2) ] (سنن الترمذي) ج 2 ص 344 حديث رقم (1233) .
[ (3) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وأثبتناها من (البخاري) .
[ (4) ] كذا في (خ) ، ورواية البخاري (قال) .
[ (5) ] (صحيح البخاري بحاشية السندي) ج 3 ص 297
[ (6) ] (المرجع السابق) ص 296.
[ (7) ] كذا في (خ) وفي (البخاري) «في سكرجة» والسكرجة: إناء صغير يؤكل فيه الشيء، وكل ما يوضع فيه الكوامخ ونحوها على المائدة حول الأطعمة للتشهي والهضم.
[ (8) ] الخوان: ما يؤكل عليه.
[ (9) ] السفرة: ما يحمل فيه الطعام.
[ (10) ] (صحيح البخاري بحاشية السندي) ج 3 ص 296.
أكل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النّقي؟ قال [سهل] [ (1) ] ما رأى رسول اللَّه النّقىّ من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، قال: قلت: فهل كانت لكم في عهد رسول اللَّه مناخل؟
قال: ما رأى رسول اللَّه منخلا من حين بعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، قال: فكيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطعنه وننفخه فيطير [ما طار وما بقي ثرّيناه فأكلناه] [ (1) ] .
وأمّا تبسّمه [ (2) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم
فقد قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ما رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم [ (3) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة، عن عبد اللَّه بن المغيرة قال: سمعت عبد اللَّه بن الحارث بن جزء يقول: ما رأيت أحدا كان أكثر تبسما من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] .
وخرّج ابن حبان من حديث عبد الحميد بن زياد بن صهيب، عن أبيه عن صهيب قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه [ (5) ] .
__________
[ (1) ] زيادة من المرجع السابق.
[ (2) ] بسم، يبسم بسما وابتسم وتبسّم: وهو أقلّ الضّحك وأحسنه. وفي التنزيل: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها (19/ النمل) . قال الزّجّاج: التبسم أكثر ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقال الليث: يبسم بسما إذا فتح شفتيه كالمكاشر، وامرأة بسّامة ورجل بسّام. وفي صفته صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنه كان جلّ ضحكه التّبسّم. (لسان العرب) ج 12 ص 50.
[ (3) ] (المستدرك) ج 2 ص 456، حديث رقم (3700/ 837) : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا بحر بن نصر، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدّثه، عن سليمان بن يسار، عن عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنها قالت: «ما رأيت رسول اللَّه قط مستجمعا ضاحكا حتى أرى منها لهواته، إنما كان يبتسم» . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة. واللهوات: جمع لهاة، وهي اللحمة المشرفة على الحلق أو ما بين منقطع أصل اللسان إلى منقطع القلب من أعلى الفم. (ترتيب القاموس) ج 2 ص 179.
[ (4) ] (مسند أحمد) ج 5 ص 212، حديث رقم (17261) .
[ (5) ] (الإحسان) ج 16 ص 318، حديث رقم (7325) ، (7326) فأما الحديث الأول:
«أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: جاء رجل من أهل الكتاب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن اللَّه يمسك السماوات على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والخلائق كلها على إصبع، ثم يقول: أنا الملك، فضحك رسول اللَّه حتى بدت نواجذه، ثم قرأ هذه الآية: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً
وخرج من حديث بقية، عن حبيب بن عمر الأنصاري، عن شيخ يكنى أبا عبد اللَّه الصمد، قال: سمعت أم الدرداء [ (1) ] تقول:
__________
[ () ] قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67/ الزمر) ، أخرجه البخاري في التوحيد (7415) ، ومسلم في صفة القيامة (2786) .
إسناده صحيح على شرط الشيخين، أبو خيثمة: هو زهير بن حرب، وجرير: هو ابن عبد الحميد، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، وعلقمة: هو ابن قيس النخعي.
وأما الحديث الثاني: أخبرنا عبد اللَّه بن محمد الأزدي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد اللَّه قال: جاء حبر من اليهود إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه، إذا كان يوم القيامة جعل اللَّه السماوات على إصبع، ثم يهزّهنّ، ثم يقول: أنا الملك، فلقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه تعجبا لما قال اليهوديّ تصديقا له، ثم قرأ وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أخرجه البخاري في التوحيد (7513) ، ومسلم في صفة القيامة (2786) إسناده صحيح على شرط الشيخين، ومنصور هو ابن المعتمر، وعبيدة: هو ابن عمرو السلماني.
وأخرجه أحمد (1/ 457) ، والبخاري (4811) في تفسير سورة الزمر، باب قوله تعالى:
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
والنواجذ: من الأسنان الضواحك، وهي التي تبدو عند الضحك، والأكثر الأشهر أنها أقصى الأسنان، والمراد الأول، إنه ما كان يبلغ به الضحك حتى تبدو أواخر أضراسه، كيف وقد جاء في صفة ضحكه صلّى اللَّه عليه وسلّم: جلّ ضحكه التبسم؟ وإن أريد بها الأواخر، فالوجه فيه أن يريد مبالغة مثله في ضحكه، من غير أن يراد ظهور نواجذه في الضحك، وهو أقيس القولين لاشتهار النواجذ. بأواخر الأسنان، ومنه حديث عمر رضي اللَّه عنه: ولن يلي الناس كقرشيّ عضّ على ناجذه أي صبر وتصلّب في الأمور، ومنه حديث العرباض: عضوا عليها بالنواجذ، أي تمسكوا بها كما يتمسك العاضّ بجميع أضراسه. (لسان العرب) ج 3 ص 513- 514.
[ (1) ] هي خيرة بنت أبي حدرد، أم الدرداء الكبرى، سماها أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين فيما رواه ابن أبي خيثمة عنهما، وقالا: اسم أبي حدرد «عبد» وقال: أم الدرداء الصغرى اسمها هجيمة، وقال غيرهما:
جهيمة.
وقال أبو عمر: كانت أم الدرداء الكبرى من فضلى النساء وعقلائهن، وذوات الرأي فيهن، مع العبادة والنسك، توفيت قبل أبي الدرداء بسنتين، وذلك بالشام في خلافة عثمان رضي اللَّه تعالى عنه، وكانت حفظت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعن زوجها.
روى عنها جماعة من التابعين، منهم: ميمون بن مهران، وصفوان بن عبد اللَّه، وزيد بن أسلم.
قال عليّ بن المديني: كان لأبي الدرداء امرأتان كلتاهما يقال لها أم الدرداء: إحداهما رأت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهي خيرة بنت أبي حرد، والثانية تزوجها بعد وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهي هجيمة الوصابية.
كان أبو الدرداء [ (1) ] إذا حدّث حديثا تبسّم، فقلت: لا يقول الناس إنك أي أحمق، فقال: ما رأيت أو ما سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث حديثا إلا تبسم.
__________
[ () ] وأورد ابن مندة لأم الدرداء حديثا مرفوعا، من طريق شريك، عن خلف بن حوشب، عن ميمون بن مهران، قال: قلت لأم الدرداء: سمعت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا؟ قالت: نعم، دخلت عليه وهو جالس في المسجد، فسمعته يقول: «ما يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن» .
وأخرج الطبراني من طريق زبّان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، أنه سمع أم الدرداء تقول: خرجت من الحمام فلقيني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أين أقبلت يا أم الدرداء؟ قلت: من الحمام، قال: ما منكن امرأة تضع ثيابها في غير بيت إحدى أمهاتها أو زوج، إلا كانت هاتكة كل ستر بينها وبين اللَّه.
وسنده ضعيف جدا.
(الإصابة) : ج 7 ص 629- 631، ترجمة رقم (11137) ، (الاستيعاب) : ج 4 ص 1934 ترجمة رقم (4150) .
[ (1) ] هو عمير بن عامر، ويقال: عويمر بن قيس بن زيد، وقيل: عويمر بن ثعلبة بن عامر بن زيد بن قيس بن أمية بن مالك بن عامر بن عديّ بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، أبو الدرداء الأنصاري، هو مشهور بكنيته.
وقد قيل في نسبه: عويمر بن زيد بن قيس بن عائشة بن أمية بن مالك بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج.
وقيل: إن اسمه عامر، وصغّر، فقيل عويمر. وقال ابن إسحاق: أبو الدرداء عويمر بن ثعلبة من بني الحارث بن الخزرج.
وقال إبراهيم بن المنذر: أبو الدرداء اسمه عويمر بن ثعلبة بن زيد بن قيس بن عائشة بن أمية بن مالك بن عامر بن عديّ بن كعب بن الخزرج. وأمّه: محبّة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة بن عامر بن زيد مناة بن مالك بن ثعلبة بن كعب.
وقيل: أمه واقدة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة.
شهد أحدا وما بعدها من المشاهد، وقد قيل: إنه لم يشهد أحدا لأنه تأخر إسلامه، وشهد الخندق وما بعدها من المشاهد.
كان أبو الدرداء أحد الحكماء، العلماء، الفضلاء.
روى ابن عبد البرّ: لما حضرت معاذا الوفاة قيل له: يا أبا عبد الرحمن، أوصنا، قال: أجلسوني، إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، يقولها ثلاث مرات- التمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وسلمان الفارسيّ، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن سلام، الّذي كان يهوديا فأسلم، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة.
وفي رواية: كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم، فقالت له: إني أخشى أن يحمّقك الناس، فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يحدث بحديث إلا تبسّم [ (1) ] .
ومن حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت أنيابه. وكذا من حديث وهب بن جرير، أخبرنا أبي قال: سمعت ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أقبل أعرابي على ناقة له حتى أناخ بباب المسجد، فدخل على نبي اللَّه وحمزة بن عبد المطلب جالس في نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم النعيمان، فقالوا للنعيمان: ويحك! إن ناقته نادية أي سمينة، فلو نحرتها فإنا قد قدمنا إلى اللحم، ولو فعلت عزمها رسول اللَّه وأكلنا لحمها، فقال: إني إن فعلت ذلك وأخبرتموه وجد عليّ، قالوا: إلا تفعل!! فقام،
__________
[ () ] عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «أنا أفرطكم على الحوض، فلا ألفينّ ما نوزعت في أحدكم فأقول: هذا مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدث بعدك، فقلت: يا رسول اللَّه، أدع اللَّه ألا يجعلني منهم، قال: لست منهم» .
فمات قبل عثمان رضي اللَّه عنه بسنتين.
ولهذا الحديث قريب منه
في (مسند أحمد) : من حديث عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «أنا أفرطكم على الحوض ولأنازعن أقواما، ثم لأغلبن عليهم، فأقول: يا رب أصحابي فيقول:
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ونظيره في (مسلم) .
قال أبو عمر: وروي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «حكيم أمتي أبو الدرداء عويمر» .
قال أبو عمر: له حكم مأثورة مشهورة: منها قوله: «وجدت الناس أخبر تقل، أي من جرّبهم رماهم بالمقت لخبث سرائرهم وقلة إنصافهم» .
ومنها: «من يأت أبواب السلطان يقام ويقعد» .
ووصف الدنيا فأحسن، فمن قوله فيها: «الدنيا دار الكدر، ولن ينجو منها إلا أهل الحذر، وللَّه فيها علامات يسمعها الجاهلون، ويعتبر بها العالمون، ومن علاماته فيها أن حفّها بالشبهات، فارتطم فيها أهل الشهوات، ثم أعقبها بالآفات، فانتفع بذلك أهل العظات، ومزج حلالها بالمئونات، وحرامها بالتبعات، فالمثري فيها تعب، والمقل ففيها نصب» .
(الاستيعاب) : ج 3 ص 1227- 1230 ترجمة رقم (2006) ، (الإصابة) : ج 4 ص 747- 748 ترجمة رقم (6121) ، (مسند أحمد) : ج 1 ص 635 حديث رقم (3632) ، (مسلم بشرح النووي) : ج 15 ص 64 حديث رقم (2297) .
[ (1) ] (كنز العمال) : ج 7 ص 140 حديث رقم (18401) ، (سند أحمد) : ج 5 ص 199 حديث رقم (21288) : «حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا يونس، حدثنا بقية عن حبيب بن عمر الأنصاري، عن أبي عبد الصمد، عن أم الدرداء قالت: كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم فيه، فقلت له: إني أخشى أن يحمقك الناس، فقال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يحدث بحديث إلا تبسم» .
فضرب لبتها ثم انطلق، فمر بالمقداد قد حفر حفرة استخرج منها طينا، فقال: يا مقداد! غيبني في هذه الحفرة وأطبق عليّ شيئا، ولا تدل عليّ أحدا، فإنّي قد أحدثت حدثا، ففعل.
فما خرج الأعرابي ورأى ناقته صرخ، فخرج نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: من فعل هذا؟ قالوا: نعيمان! قال: فأين توجه؟ قالوا: ها هنا، فتبعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه حمزة وأصحابه، حتى أتى على المقداد فقال له: هل رأيت نعيمان؟
فكشف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الحفرة، فلما رآه قال: أي عدوّ نفسه! ما حملك على ما صنعت؟ قال: والّذي بعثك بالحق لأمرني حمزة وأصحابه، فأرضى عليه السلام الأعرابي وقال: شأنكم بها فأكلوها،
فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذكر صنعه ضحك حتى تبدو نواجذه.
وقال زائدة عن أبان، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد اللَّه قال: ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك [ (1) ]
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) ص 189 حديث رقم (232) : حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير قال: «ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا رآني منذ أسلمت إلا تبسّم» ، (صحيح سنن الترمذي) : ج 3 ص 232 حديث رقم (4091) : عن جرير بن عبد اللَّه قال: «ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك» ، وحديث رقم (4092) : عن جرير قال: «ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسّم» . قال الألباني: (صحيح، وهو بهذا اللفظ أرجح) . وهو في (البخاري) : في باب من لا يثبت على الخيل، حديث رقم (3035) حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن نمير، حدثنا محمد بن إدريس عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير رضي اللَّه عنه قال: «ما حجبني صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي» (فتح الباري) : ج 6 ص 198، (مسند أحمد) : ج 4 ص 358، حديث رقم (18692) ، ص 359، حديث رقم (18655) ، ص 365، حديث رقم (18765) .
(مسند الحميدي) : ج 2 ص 350، حديث رقم (800) : حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت قيسا يقول: سمعت جرير بن عبد اللَّه البجلي: «ما رآني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قط إلا تبسّم في وجهي» قال: وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يطلع عليكم من هذا الباب رجل من خير ذي يمن على وجهه مسحة ملك، فطلع جرير بن عبد اللَّه» .
قال الحافظ في (الفتح) : التّبسّم: مبادئ الضحك، والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت، وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة، وإلا فهو الضحك، وإن كان
وفي الصحيح أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حكى عن رجل أخرج من النار، فقيل له، تمنّ فتمنّى، فيقال: لك ما تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، فيقول أتسخر بي وأنت الملك؟
فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه [ (1) ] .
ولابن حبان من حديث الليث، عن جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة، عن سلمة بن كهيل، عن عبد الرحمن قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: لما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن، أتاني ثلاثة نفر يختصمون في غلام ابن امرأة وقعوا عليها جميعا في طهر واحد، كلهم يدعى أنه ابنه، فأقرعت بينهم فألحقته بالذي أصابته القرعة، ولصاحبيه ثلثي دية الحد، فلما قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرت له ذلك، فضحك حتى ضرب برجليه الأرض ثم قال: حكمت فيهم بحكم اللَّه، أو قال لقد رضي اللَّه حكمك فيهم [ (2) ] .
__________
[ () ] بلا صوت فهو التبسم، وتسمى الأسنان في مقدم الفم: الضواحك، وهي الثنايا والأنياب، وما يليها يسمى النواجذ.
[ (1) ] (المرجع السابق) ص 189- 190، حديث رقم (233) :
حدثنا هناد بن السّريّ، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة السّلمانيّ، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إني لأعرف آخر أهل النار خروجا، رجلا يخرج منها زحفا، فيقال له انطلق فادخل الجنة» . قال: «فيذهب ليدخل الجنة فيجد النّاس قد أخذوا المنازل، فيرجع فيقول:
يا رب قد أخذ الناس المنازل- فيقال له: أتذكر الزّمان الّذي كنت فيه؟ فيقول: نعم» ، قال: «فيقال تمنّ» ، قال: «فيتمنى، فيقال له: فإن لك الّذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا» ، قال: «فيقول:
أتسخر مني وأنت الملك» ؟ قال: «فلقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه» .
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، حديث رقم (6571) باختلاف يسير، وحديث رقم (7513) .
(فتح الباري) ج 11 ص 510، ج 13 ص 580.
[ (2) ]
(كنز العمال) ج 5 ص 841- 842، حديث رقم (14532) : «عن زيد بن أرقم قال: بينما نحن عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذ أتاه رجل من أهل اليمن، وعليّ بها، فجعل يحدث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. ويخبره قال: يا رسول اللَّه، أتى عليا ثلاثة نفر فاختصموا في ولد كلهم زعم أنه اب