فلقي صلّى اللَّه عليه وسلّم في طريقه رجلا في طريقه من عبد القيس فأسلم، وسأل: أي الأعمال أحب إلى اللَّه؟ فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة في أول وقتها.
فكان بعد ذلك لا يؤخر الصلاة إلى الوقت الآخر.
فأصاب عينا من المشركين فضرب عنقه بعد أن عرض عليه الإسلام فأبي.
,
وانتهى صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المريسيع [وهو ماء لخزاعة من ناحية قديد إلى الساحل] وقد بلغ القوم مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقتله عينهم، فتفرق عن الحارث من كان قد اجتمع إليه من أفناء [ (1) ] العرب، وضرب له صلّى اللَّه عليه وسلّم قبة من أدم، وكان معه من نسائه عائشة وأم سلمة رضي اللَّه عنهما. فصف أصحابه وقد تهيأ الحارث للحرب، ونادى عمر ابن الخطاب رضي اللَّه عنه في الناس: قولوا لا إله إلا اللَّه تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم. فأبوا ورموا بالنبل، فرمى المسلمون ساعة بالنبل ثم حملوا على المشركين حملة رجل واحد، فما أفلت منهم إنسان، وقتل منهم عشرة وأسر سائرهم، وسبيت النساء والذرية، وغنمت الإبل والشاء، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد يقال له: هشام بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت وهو يرى أنه من العدوّ [ (2) ] ، فقتله خطأ.
,
وكان شعارهم: يا منصور أمت أمت. وقيل: بل أغار عليهم صلّى اللَّه عليه وسلّم وهم غارّون ونعمهم تسقي على الماء. والحديث الأول أثبت.
وكان من خبر الرجل الّذي قتل: أنه خرج هشام بن صبابة في طلب العدو، فرجع في ريح شديدة فوجد رجلا [من رهط عبادة بن الصامت يقال له أوس] فقلته وهو يظنه مشركا، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن تخرج ديته، [ويقال: قتله رجل من بني عمرو بن عوف] فقدم أخوه مقيس بن صبابة من مكة مسلما فيما يظهر يطلب دية أخيه، فأمر له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالدّية فقبضها، ثم عدا على قاتل أخيه
__________
[ (1) ] أخلاط من قبائل مختلفة.
[ (2) ] في (خ) «العدد» .
فقتله، ثم ارتدّ ولحق بقريش وقال شعرا، فأهدر صلّى اللَّه عليه وسلّم دمه، حتى قتله نميلة [ابن عبد اللَّه الليثي] [ (1) ] يوم الفتح.
,
وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأسرى فكتّفوا، واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب، وأمر بما وجد في رحالهم من متاع وسلاح فجمع، وسيقت النّعم والشاء، واستعمل عليها شقران: مولاه. واستعمل على المقسم- مقسم الخمس وسهمان المسلمين- محمية ابن جزء [ (2) ] بن عبد يغوث بن عويج بن عمرو بن زبيد الأصغر الزبيدي، فأخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخمس من جميع المغنم فكان يليه محمية بن جزء [ (2) ] ، وكان يجمع إليه الأخماس. وكانت الصدقات على حدتها، أهل الفيء بمعزل عن الصدقة، [وأهل الصدقة] [ (3) ] بمعزل عن الفيء. فكان يعطي من الصدقة اليتيم والمسكين والضعيف، فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفيء وأخرج من الصدقة ووجب عليه الجهاد، فإن كره الجهاد وأباه لم يعط من الصدقة شيئا، وخلى بينه وبين أن يكتسب لنفسه.
وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يمنع سائلا:
فأتاه رجلان يسألانه من الخمس فقال [ (4) ] :
إن شئتما أعطيتكما منه، ولا حظّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب.
,
ويقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق، ويقال: جعل صداقها عتق أربعين من قومها، وقيل: كان السبي: منهم من منّ عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير فداء، ومنهم من افتدى، وذلك بعد ما صار السبي في أيدي الرجال، فافتديت المرأة والذرية بست فرائض، وكانوا قدموا المدينة ببعض السبي، فقدم عليهم أهلوهم فافتدوهم، فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها، قال الواقدي: وهذا الثبت. وقيل: إن الحارث افتدى ابنته جويرية من ثابت بن قيس بما افتدى به امرأة من السبي ثم خطبها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبيها فأنكحها: وكان اسمها برّة، فسماها [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم جويرية [ (2) ] . قال الواقدي: وأثبت هذا عندنا حديث عائشة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قضى عنها كتابتها وأعتقها وتزوجها.
,
وسئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذه الغزوة عن العزل فقال: ما عليكم أن لا تفعلوا؟ ما من نسمة كائنة يوم القيامة إلا وهي كائنة.
فقال رجل من اليهود لأبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه، وقد خرج بجارية يبيعها في السوق: لعلك تريد بيعها وفي بطنها منك سخلة [ (3) ] ؟ فقال: كلا، إني كنت أعزل عنها. فقال: تلك الموءودة الصغري!
فلما أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك قال: كذبت يهود.
__________
[ (1) ] في (خ) «فسما» .
[ (2) ] في (خ) «جويرة» .
[ (3) ] السخلة: وليدة الغنم، والمراد هنا كناية عن الحمل.
,
وبينا المسلمون على ماء المريسيع إذ أقبل سنان بن وبر الجهنيّ- وقيل: هو سنان بن تيم اللَّه، وهو من جهينة بن سود بن أسلم- حليف الأنصار- ومعه فتيان من بني سالم يستقون. [وعلى] [ (1) ] الماء جمع من المهاجرين والأنصار. فأدلى دلوه، وأدلى جهجاه بن مسعود بن سعد بن حرام الغفاريّ- أجير عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه- دلوه.
,
فالتبست دلو سنان ودلو جهجاه وتنازعا، فضرب جهجاه سنانا فسال الدم، فنادى: يا للخزرج! وثارت الرجال، فهرب جهجاه وجعل ينادى في العسكر:
يا لقريش! يا لكنانة! فأقبلت قريش وأقبلت الأوس والخزرج، وشهروا السلاح حتى كادت تكون فتنة عظيمة، فقام رجال في الصلح فترك سنان حقه.
تحريض عبد اللَّه بن أبيّ وما كان من مقالته في ذلك
وكان عبد اللَّه بن أبيّ جالسا في عشرة من المنافقين فغضب وقال: واللَّه ما رأيت كاليوم مذلة! واللَّه إن كنت لكارها لوجهي هذا، ولكن قد غلبوني. قد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلدنا، وأنكروا منتنا، واللَّه ما صرنا وجلابيب [ (2) ] قريش هذه إلا كما قال القائل: «سمّن كلبك يأكلك» ، واللَّه لقد ظننت أني سأموت قبل أن أسمع هاتفا يهتف بما هتف به جهجاه وأنا حاضر لا يكون لذلك مني غير [ (3) ] ، واللَّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ. ثم أقبل على من حضر من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم! أحللتموهم بلادكم، ونزلوا منازلكم، وآسيتموهم [ (4) ] في أموالكم حتى استغنوا. أما واللَّه لو أمسكتم [عنهم ما] [ (5) ] بأيديكم لتحولوا [ (6) ] إلى غير بلادكم، ثم لم ترضوا ما فعلتم حتى جعلتم
__________
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] كان يحلو للمنافقين تسمية المهاجرين بجلابيب قريش كناية عن فقرهم.
[ (3) ] في (خ) «لا يكون ذلك متى غير» ، يريد لا يكون متى لهذا العدوان دفع أو تغيير أو قصاص.
[ (4) ] من المساواة.
[ (5) ] زيادة للبيان.
[ (6) ] في (خ) «لعلوا» .
أنفسكم- أغراضا [ (1) ] للمنايا فقتلتم دونهم [ (1) ] ، فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا.
إبلاغ زيد بن أرقم رسول اللَّه مقالة عبد اللَّه بن أبيّ
وكان زيد بن أرقم حاضرا- وهو غلام لم يبلغ أو قد بلغ- فحدّث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك، وعنده نفر من المهاجرين والأنصار، فتغير وجهه ثم قال:
يا غلام، لعلك غضبت عليه؟ قال: لا واللَّه، لقد سمعت منه. قال: لعله أخطأ سمعك! قال: لا يا نبي اللَّه. قال: فلعله شبه عليك؟ قال: لا واللَّه لقد سمعت منه يا رسول اللَّه.
وشاع في العسكر ما قاله ابن أبيّ، حتى ما كان للناس حديث إلا هو. وأنّب جماعة من الأنصار زيد بن أرقم، فقال- في جملة كلام-: وإني لأرجو أن ينزل اللَّه على نبيه، حتى تعلموا أني كاذب أم غيري. وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! مر عباد بن بشر فليأتك برأسه. فكره ذلك
وقال: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه.
وبلغ الخبر ابن أبيّ، فحلف باللَّه ما قال من ذلك شيئا، ثم مشى [ (2) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحلف باللَّه ما قال.
رحيل رسول اللَّه بعد مقالة المنافقين
وأسرع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك السير، ورحل في ساعة لم يكن يرتحل فيها.
فأقبل عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه حتى جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في فيء شجرة عنده غليم أسيود يغمز ظهره [ (3) ] فقال: يا رسول اللَّه! كأنك تشتكي ظهرك! فقال: تقحّمت بي الناقة [ (4) ] الليلة. فقال عمر: يا رسول اللَّه، ائذن لي أن أضرب عنق ابن أبيّ في مقالته. فقال: لا يتحدث الناس أن محمدا قتل أصحابه.
طلوع رسول اللَّه على العسكر ومقالة سعد بن عبادة
ويقال: لم يشعر أهل العسكر إلا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد طلع على راحلته وكانوا في حر شديد، وكان لا يروح حتى يبرد، إلا أنه لما جاءه ابن أبيّ رحل في تلك
__________
[ (1) ] في (خ) «أعراضا» ، «دونه» .
[ (2) ] في (خ) «مشى مشى» مكررة.
[ (3) ] الغمز باليد: النخس، وبالعين والجفن والحاجب: الإشارة، وبالرجل: السعي بالشر، والغمازة:
الجارية الحسنة الغمز للأعضاء (ترتيب القاموس) ج 3 ص 417.
[ (4) ] تقحمت الدابة براكبها: شردت به، وربما طوّحت به في وهده (المعجم الوسيط) ج 2 ص 717.
الساعة، فكان أوّل من لقيه سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه، ويقال: أسيد بن حضير. فقال: خرجت يا رسول اللَّه في ساعة ما كنت تروح فيها! قال:
أو لم يبلغك ما قال صاحبكم ابن أبيّ، زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعزّ منها الأذلّ؟
قال: فأنت يا رسول اللَّه تخرجه إن شئت، فهو الأذل وأنت الأعز، يا رسول اللَّه! ارفق به، فو اللَّه لقد جاء اللَّه بك وإن قومه لينظمون له الخرز، ما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي ليتوجوه، فما يرى إلا قد سلبته ملكه.
تصديق اللَّه خبر زيد بن أرقم
وبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسير من يومه ذلك- وزيد بن أرقم يعارضه براحلته يريد وجهه،
ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستحث راحلته فهو مغذّ في المسير- إذ نزل عليه الوحي فسرّي [ (1) ] عنه، فأخذ بأذن زيد بن أرقم حتى ارتفع عن مقعده عن راحلته وهو يقول: وفت [ (2) ] أذنك يا غلام وصدّق اللَّه حديثك!
ونزل في ابن أبيّ:
إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ [ (3) ] وكان عبادة بن الصامت قبل ذلك قال لابن أبيّ:
ايت رسول اللَّه يستغفر لك، فلوى رأسه معرضا، فقال له عبادة: واللَّه لينزلنّ في ليّ رأسك قرآن يصلّى به. ومرّ عبادة بن الصامت بابن أبيّ- عشية راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المريسيع، وقد نزل فيه القرآن- فلم يسلّم عليه، ثم مرّ أوس بن خوليّ فلم يسلّم عليه، فقال: إن هذا الأمر قد تمالأتما عليه. فرجعا إليه فأنّباه [ (4) ] وبكّتاه بما صنع، وبما نزل القرآن إكذابا لحديثه. فقال: لا أعود أبدا.
حديث عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي عن أبيه وخبره
وجاء ابنه عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبيّ فقال: يا رسول اللَّه، إن كنت تريد أن تقتل [ (5) ] أبي فيما بلغك عنه فمرني به، فو اللَّه لأحملن إليك رأسه قبل أن تقوم
__________
[ (1) ] سرّى عنه: كشف عنه.
[ (2) ] وفت أذنه: ظهر صدقه في أخباره عما سمع، وأوفى اللَّه بأذنه: أظهر صدقه في إخباره عما سمعت أذنه (المعجم الوسيط) ج 2 ص 1047.
[ (3) ] سورة المنافقون كلها.
[ (4) ] في (خ) «فأنبأه» .
[ (5) ] في (خ) «يقتل» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 2 ص 421.
من مجلسك هذا. واللَّه لقد علمت الخزرج ما كان فيها [ (1) ] رجل أبرّ بوالده [ (1) ] مني، وإني لأخشى- يا رسول اللَّه- أن تأمر غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن انظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله فأدخل النار، وعفوك أفضل، ومنّك أعظم.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أردت قتله، وما أمرت به، ولنحسنن صحبته ما كان بين أظهرنا.
فقال: يا رسول اللَّه! إن أبي كانت هذه البحيرة قد استقوا [ (2) ] عليه ليتوجوه، فجاء اللَّه بك فوضعه ورفعنا بك، ومعه قوم يطيفون به [ (3) ] يذكرونه أمورا قد غلب اللَّه عليها. وقال عبد اللَّه في ذلك شعرا.
سير رسول اللَّه
ولما خرجوا من المريسيع قبل الزوال لم ينخ [ (4) ] أحد إلا لحاجة أو لصلاة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستحث راحلته بالسوط في تراقيها [ (5) ] حتى أصبحوا، ومدّوا يومهم حتى انتصف النهار، ثم راحوا مردين [ (6) ] ، فنزل من الغد ماء يقال له:
بقعاء.
,
تنبيه: قد اختلف في غزوة المريسيع. فذهب الواقديّ- كما تقدم- إلى أنها كانت في شعبان سنة خمس، وقال ابن إسحاق: في شعبان من السنة السادسة، وصححه جماعة. وفيه إشكال، فإنه وقع في الصحيحين وغيرهما أن المقاول لسعد ابن عبادة سعد بن معاذ، كما تقدم عند خطبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بسبب أهل الإفك.
ولا يختلف أحد في أن سعد بن معاذ مات إثر قريظة، وقد كان عقب الخندق، وهي في سنة خمس على الصحيح، ثم حديث الإفك لا يشك أحد من علماء الآثار أنه في غزوة بني المصطلق هذه، وهي غزوة المريسيع، وقد اختلف الناس في الجواب عن هذا. فقال موسى بن عقبة- فيما حكاه البخاري عنه [ (1) ]- إن غزوة المريسيع كانت في سنة أربع، وهذا خلاف الجمهور. ثم في الحديث ما ينفي ما قال، لأنها قالت: «وذلك بعد ما نزل الحجاب» . ولا خلاف أن الحجاب نزل صبيحة دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بزينب بنت جحش، وقد سأل صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب عن شأن عائشة في ذلك فقالت: «أحمي سمعي وبصري» قالت عائشة: «وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» . وقد ذكر علماء الأخبار أن تزويجه صلّى اللَّه عليه وسلّم بزينب كان في ذي القعدة سنة خمس، فبطل ما قال موسى بن عقبة، ولم ينحل الإشكال. وقال ابن إسحاق: إن المريسيع كانت في سنة ست، وذكر فيها حديث الإفك، إلا أنه قال عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه [بن عتبة] [ (2) ] ، عن عائشة، فذكر الحديث- قال: فقام أسيد بن الحضير فقال: «أنا أعذرك منه» ،
__________
[ (1) ] صحيح البخاري ج 3 ص 37.
[ (2) ] زيادة للبيان من (ابن هشام) ج 3 ص 187.
ولم يذكر سعد بن معاذ.
قال الحافظ أبو محمد علي بن [ (1) ] أحمد بن سعيد بن حزم: وفي مرجع الناس من غزوة بني المصطلق قال أهل الإفك ما قالوا، وأنزل اللَّه تعالى في ذلك من براءة عائشة رضي اللَّه عنها ما أنزل. وقد روينا من طرق صحاح أن سعد بن معاذ كانت له في شيء من ذلك مراجعة مع سعد بن عبادة. وهذا عندنا وهم [ (2) ] ، لأن سعد ابن معاذ مات إثر فتح بني قريظة بلا شك، وفتح بني قريظة في آخر ذي القعدة من السنة الرابعة من الهجرة، وغزوة بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة- بعد سنة وثمانية أشهر من موته، وكانت المقاولة بين الرجلين المذكورين بعد الرجوع من غزوة بني المصطلق بأزيد من خمسين ليلة. وذكر ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، وغيره: أن المقاول لسعد بن عبادة إنما كان أسيد بن الحضير، وهذا هو الصحيح، والوهم لم يعر [ (3) ] منه أحد من بني آدم.
واللَّه أعلم.
,
ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة المريسيع، يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس من الهجرة، فأوقع بنى المصطلق من خزاعة، وعاد لهلال رمضان، فغاب شهرا إلا ليلتين، وعند ابن إسحاق: أنها كانت في شعبان من السنة السادسة، [واستخلف على المدينة زيد بن حارثة] [ (1) ] .
[المريسيع] : بضم أوله وفتح ثانيه بعده ياء ساكنة، وسين مكسورة مهملة، بعدها ياء أخرى، وعين مهملة، على لفظ التصغير: قرية من وادي القرى، كان الزبير بن خبيب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير نازلا في ضيعته بالمريسيع، مقيما في مسجدها، لا يخرج منها إلا إلى وضوء، فكان دهره كالمعتكف] [ (2) ] .
[قال البخاري: المريسيع: ماء بنجد، في ديار بنى المصطلق من خزاعة] [ (2) ] .
[قال ابن إسحاق: من ناحية قديد إلى الشام، غزاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سنة ست، فهي غزوة المريسيع، وغزوة بنى المصطلق، وغزوة نجد، قال ابن إسحاق: سنة ست، وقال موسى بن عقبة: سنة أربع، قال الزهري: وفيها كان حديث الإفك] [ (2) ] .
[قال ابن إسحاق: فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجبا، ثم غزا بنى المصطلق من خزاعة، في شعبان سنة ست] [ (2) ] .
__________
[ (1) ] قال ابن هشام: واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاريّ، ويقال: نميلة بن عبد اللَّه الليثي.
[ (2) ] المرجع السابق (سيرة ابن هشام) : 4/ 252.
[قالوا: [لما] بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن بنى المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبى ضرار، أبو جويرية بنت الحارث، زوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء لهم يقال له:
المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم اللَّه بنى المصطلق، وقتل من قتل منهم، ونفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبناءهم، ونساءهم، وأموالهم] [ (1) ] .
[وقد استشهد رجل من المسلمين يقال له: هشام بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت، وهو يرى أنه من العدو، فقتله خطأ] [ (1) ] .
[ثم راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس، وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع يقال له: بقعاء، فلما راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هبت على الناس ريح شديدة آذتهم، وتخوفوها] [ (1) ] .
[فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تخافوها، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار، فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت، أحد بنى قينقاع، وكان عظيما من عظماء اليهود، وكهفا للمنافقين، مات في ذلك اليوم] [ (1) ] .
[وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما- فيما يظهر- فقال: يا رسول اللَّه، جئتك مسلما، وجئتك أطلب دية أخى، قتل خطأ، فأمر له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بدية أخيه هشام بن صبابة، فأقام عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدا] [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
[وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أصاب منهم سبيا كثيرا، فشا قسمه بين المسلمين، وكان فيمن أصيب من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار زوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] .
[وقد أقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من سفره ذلك، حتى إذا كان قريبا من المدينة، وكانت معه عائشة في سفره ذلك، قال فيها أهل الإفك ما قالوا] [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 252 وما بعدها مختصرا، وحديث الإفك معروف أمسكنا عن ذكره لطوله واشتهاده.