فأتى بني قريظة- وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قدم المدينة صالح قريظة والنضير ومن معهم من يهود ألا يكونوا معه ولا عليه، ويقال: صالحهم على أن ينصروه ممن دهمه [ (3) ] ، ويقيموا على معاقلهم [ (4) ] الأولى التي بين الأوس والخزرج- فأتى
__________
[ (1) ] في (خ) «لي الأنصار» .
[ (2) ] يقول محقق (ط) : هكذا روى! وقد روى الثقات، ولم يذكر هذا الكلام من قوله: «اللَّهمّ العن ...
إلخ» ، وهو كلام هالك ليس بشيء. ونقول:
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ العن عضلا والقارة، فهم كلفوني أنقل الحجارة) » ذكره (ابن حجر) في (فتح الباري) ج 7 ص 394 هكذا:
والعن عضلا والقارة ... هم كلفونا نقل الحجارة
وذكره أيضا في (المطالب العالية) ج 4 ص 228 برقم 4332.
[ (3) ] في (خ) «دهمه منهم» وهي رواية (الواقدي) ج 2 ص 454 وما أثبتناه من (ط) .
[ (4) ] معاقلهم الأولى: أي الديات التي كانت في الجاهلية، أو على مراتب آبائهم (ترتيب القاموس) ج 3 ص 287.
كعب بن أسد، وكان صاحب عقد بني قريظة وعهدها [ (1) ] ، فكرهت قريظة دخول حيي بن أخطب إلى دارهم، فإنه يحب الرئاسة والشرف عليهم، وكان يشبّه بأبي جهل في قريش [ (2) ] . فلقيه عزّال [ (3) ] بن سموأل أول الناس، فقال له حيي:
قد جئتك بما تستريح به من محمد، هذه قريش قد دخلت وادي العقيق، وغطفان بالزغابة! فقال عزال [ (3) ] : جئتنا واللَّه بذل الدهر! فقال: لا تقل هذا! ثم أتى كعب بن أسد فقال له: إنك امرؤ مشئوم، وقد شأمت [ (4) ] قومك حتى أهلكتهم، فارجع عنا! فما زال به حيي حتى لان له ونقض العهد، وشقوا الكتاب الّذي كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم (بينه و) [ (5) ] بينهم، واستدعى رؤساؤهم- وهم: الزبير ابن باطا، ونبّاش بن قيس، وعزال بن سموأل، وعقبة بن زيد، وكعب ابن زيد- وأعلمهم بما فعل من نقض العهد، فلحمه [ (6) ] الأمر لما أراد اللَّه بهم من هلاكهم.
,
فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قبته، - والمسلمون على خندقهم يتناوبونه، معهم بضع وثلاثون فرسا، والفرسان يطوفون على الخندق- إذ
جاء عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فقال: يا رسول اللَّه، بلغني أن بني قريظة قد نقضت العهد وحاربت. فاشتد ذلك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل.
بعثة الزبير بن العوام لاستطلاع خبر بني قريظة وتسميته (حواريّ رسول اللَّه)
وبعث الزبير بن العوام رضي اللَّه عنه إليهم لينظر. فعاد بأنهم يصلحون حصونهم، ويدرّبون [ (7) ] طرقهم وقد جمعوا ماشيتهم،
فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن لكل نبي
__________
[ (1) ] في (خ) في هذا المكان «حي بن أخظب» وهو تكرار لا معنى له.
[ (2) ] في (خ) كان يشبه في قريش بأبي جهل، وفي (الواقدي) ج 2 ص 455 «وله في قريش شبه أبو جهل ابن هشام» وما أثبتناه من (ط) .
[ (3) ] في (خ) «غزال»
[ (4) ] في (خ) «شوم، وقد شمت»
[ (5) ] زيادة لا بدّ منها.
[ (6) ] في (خ) (لجمة) ولحمة الأمر: أحكمه (المعجم الوسيط) ج 2 ص 819.
[ (7) ] قد تكون من «الدّربة» وهي الجرأة على الأمر أو من «الدّرب» وهو باب السكة الواسع (ترتيب القاموس ج 2 ص 163، 164.
حواريا، وإن حواري [ (1) ] الزبير.
ثم بعث سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسيد ابن حضير لينظروا ما بلغه عن بني قريظة، وأوصاهم- إن كان حقا- أن يلحنوا له [أي يلغزوا] لئلا [ (2) ] يفت ذلك في عضد المسلمين ويورث وهنا، فوجدوهم مجاهرين بالعداوة والغدر، فتسابوا، ونال اليهود- عليهم لعائن [ (3) ] اللَّه- من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسبهم سعد بن معاذ وانصرفوا عنهم.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما وراءكم؟ قالوا: عضل والقارة! [يعنون غدرهم بأصحاب الرجيع] . فكبّر صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: أبشروا بنصر اللَّه وعونه.
,
ثم كانت غزوة بني قريظة: خرج إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأربعاء لسبع خلون من ذي الحجة سنة خمس، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وحصرها خمسا وعشرين ليلة، وقيل: خمسة عشر يوما، وقيل: شهرا.
,
فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليا رضي اللَّه عنه فدفع إليه لواءه، وكان اللواء على حاله لم يحل من مرجعه من الخندق، وبعث بلالا رضي اللَّه عنه فأذن في الناس:
إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمركم ألا تصلوا العصر إلا في بني قريظة.
وعن قتادة قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ مناديا، يا خيل اللَّه اركبي.
ولبس الدرع والمغفر والبيضة، وأخذ قناة بيده، وتقلد الترس، وركب فرسه.
وحف به أصحابه وقد لبسوا السلاح وركبوا الخيل وكانت ستة وثلاثين فرسا، وكانت له صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أفراس معه.
وقيل: خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو راكب على حمار عري [ (2) ] . وسار فمر بنفر من بني النجار قد صفوا وعليهم السلاح، فقال: هل مر بكم أحد؟ قالوا: نعم! دحية الكلبي، مر على بغلة عليها رحالة، عليها قطيفة من إستبرق، فأمرنا بلبس السلاح، فأخذنا سلاحنا وصففنا، وقال لنا: هذا رسول اللَّه يطلع عليكم الآن! فقال: ذلك جبريل.
,
وانتهى إلى بني قريظة، وقد سبق عليّ في نفر من المهاجرين والأنصار، وغرز الراية عند أصل الحصن، فاستقبلهم يهود يشتمون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأزواجه، فسكت المسلمون وقالوا: السيف بيننا وبينكم. فلما رأى عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجع إليه، وأمر أبا قتادة الأنصاري أن يلزم اللواء.
مسيره صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم وما قاله
وسار صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى يهود، وقال يومئذ: الحرب خدعة.
وتقدمه أسيد بن حضير فقال: يا أعداء اللَّه! لا نبرح حصنكم حتى تموتوا جوعا، إنما أنتم بمنزلة ثعلب
__________
[ (1) ] ذكره (الواقدي) ج 2 ص 497.
[ (2) ] عرى: لا سرج عليه.
في جحر. قالوا: يا ابن الحضير، نحن مواليك دون الخزرج! وخاروا. فقال:
لا عهد بيني وبينكم ولا إلّ [ (1) ] .
ودنا صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم وقد ترس عنه أصحابه. فقال:
يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطواغيت! أتشتموني؟ فجعلوا يحلفون: ما فعلنا! ويقولون: يا أبا القاسم ما كنت جهولا!.
,
وتقدمت الرماة من المسلمين،
وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لسعد بن أبي وقاص: يا سعد، تقدم فارمهم.
فرماهم والمسلمون ساعة، ويهود تراميهم، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقف على فرسه فيمن معه. ثم انصرفوا إلى منازلهم، وباتوا وقد بعث إليهم سعد بن عبادة بأحمال تمر فأكلوا،
وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يأكل منه: نعم الطعام التمر.
واجتمع المسلمون عنده عشاء، ومنهم من صلى ومنهم من لم يصلّ حتى جاء بني قريظة، فما عاب على أحد من الفريقين.
,
ثم غدا سحرا وقدّم الرماة وعبأ أصحابه، فأحاطوا بحصون يهود وراموهم بالنّبل والحجارة وهم يرمون من حصونهم حتى أمسوا، فباتوا حول الحصون.
,
فنزل نبّاش بن قيس وكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: على أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النضير: له الأموال والحلقة، ويحقن دماءهم، ويخرجون من المدينة بالنساء والذراري، ولهم ما حملت الإبل إلا الحلقة. فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا أن ينزلوا عن حكمه، وعاد نبّاش إليهم بذلك.
,
فأشار عليهم كعب بن أسد بأن يدخلوا في الإسلام، وذكرهم بما عندهم من العلم بنبوته، فلم يقبلوا رأيه. فأشار عليهم أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم ثم يخرجوا
__________
[ (1) ] الإل: العهد والقرابة قال تعالى لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً 8/ التوبة.
فيقاتلوا حتى يقتلوا أو يظفروا، فأبوا ذلك. فأشار عليهم أن يخرجوا ليلة السبت والمسلمون آمنون فيبيتونهم فقالوا: لا نحل السبت. واختلفوا وندموا على ما صنعوا.
,
ونزل منهم [ثعلبة بن سعيه، وأسيد بن سعيه] [ (1) ] ، وأسد بن عبيد، وأسلموا. وأمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم، ونزل عمرو بن سعدى، [وكان أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: لا أغدر بمحمد أبدا. فبات في مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب] [ (2) ] فلم يدر أين هو! وقيل: [إنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأصبحت رمته ملقاة ولا يدرى أين ذهب!] [ (3) ] .
,
فلما اشتد عليهم الحصار طلبوا أبا لبابة بن عبد المنذر، فدخل عليهم فقالوا له: ما ترى؟ إن محمدا أبى إلا أن ننزل عن حكمه! قال: فانزلوا. وأومأ إلى حلقه، وهو الذبح. ثم نزل- والناس ينتظرونه- وقد ندم على ما كان منه.
فمر على وجهه حتى ارتبط في المسجد إلى سارية،
وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما صنع وذهابه، فقال: دعوه حتى يحدث اللَّه فيه ما يشاء، ولو جاءني استغفرت له، وأما إذ [ (4) ] لم يأتني وذهب فدعوه.
فكان كذلك خمس عشرة ليلة، - وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد استعمله على القتال، وأنزل فيه: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (5) ] .
__________
[ (1) ] في (خ) «ثعلبة بن أسيد ابنا سعيد» وهو خطأ، وصوبه من (الواقدي) ج 2 ص 503 هكذا: «ثعلبة وأسيد ابنا سعية، وأسد بن عبيد عمهم» : وفي (ابن هشام) ج 3 ص 144 «قال ابن إسحاق: ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد ابن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هدل، ليسوا من بني قريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك. هم بنو عم القوم» .
[ (2) ] في (خ) ونزل عمرو بن سعدي فلم يدري أين هو، وسياقه مضطرب فاستوفيناه من (المرجع السابق) ذات الجزء والصفحة.
[ (3) ] في (خ) «وقيل وجدت رمته» وتمام السياق من المرجع السابق. ج 3 ص 144- 145.
[ (4) ] في (خ) «إذا» .
[ (5) ] 102/ التوبة، وفي (خ) « ... يتوب عليهم، الآية» .
ويقال نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ (1) ] .
ويقال نزلت فيه: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [ (2) ] . والأول أثبت.
نزول بني قريظة على حكم رسول اللَّه وكتافهم وما وجد عندهم
ثم نزلت يهود على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأمر بأسراهم فكتفوا رباطا- وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة- ونحّوا ناحية، وأخرج النساء والذرية من الحصون فكانوا ناحية، واستعمل عليهم عبد اللَّه بن سلام. وجمعت أمتعتهم وما وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث والثياب، فوجد فيها ألف وخمسمائة سيف، وثلاثمائة درع، وألفا رمح، وألف وخمسمائة ترس وجحفة، وأثاث كبير وآنية كثيرة، وخمر وجرار سكر، فهريق ذلك كله ولم يخمس. ووجد من الجمال النواضح عدة، ومن الماشية شيء كثير، فجمع ذلك كله.
,
وطلب الأوس من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يهب لهم بني قريظة فإنّهم حلفاؤهم، كما وهب لابن أبيّ [بني] [ (3) ] قينقاع حلفاءه.
,
فقال:
أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟ قالوا: بلى! قال:
فذلك إلى سعد بن معاذ.
وسعد يومئذ في المسجد في خيمة رفيدة، ويقال:
كعيبة [ (4) ] بنت سعد بن سعد بن كعب بن عبد الأسلمية، وكانت تداوي الجرحى، وتلم الشعث، وتقوم على الضائع الّذي لا أحد له، وكان لها خيمة في المسجد، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل سعد بن معاذ فيها منذ جرح. فخرجت
__________
[ (1) ] 27/ الأنفال وفي (خ) « ... والرسول، الآية» .
[ (2) ] 41/ المائدة وفي (خ) « ... بأفواههم، الآية.
[ (3) ] زيادة للإيضاح.
[ (4) ] في (خ) «كفيتة» .
الأوس فحملوه على حمار. وجعلوا وهم حوله يقولون له: يا أبا عمرو! إن رسول اللَّه قد ولاك أمر مواليك لتحسن فيهم فأحسن، فقد رأيت ابن أبي وما صنع من حلفائه، وأكثروا في هذا وشبهه، وهو لا يتكلم، ثم قال: قد آن لسعد ألا تأخذه في اللَّه لومة لائم. فقال الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاري: وا قوماه! وقال غيره منهم نحو ذلك. ثم رجع إلى الأوس فنعى لهم قريظة.
فلما جاء سعد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والناس حوله قال: قوموا إلى سيدكم! فقاموا له على أرجلهم صفين يحييه كل منهم. [ويقال: إنما عني صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله: «قوموا لسيدكم» الأنصار دون قريش] .
وقالت الأوس الذين حضروا:
يا أبا عمرو! إن رسول اللَّه قد ولّاك فأحسن فيهم، واذكر بلاءهم عندك. فقال سعد: أترضون بحكمي لبني قريظة؟ قالوا: نعم، فأخذ عليهم عهد اللَّه وميثاقه أن الحكم ما حكم، ثم قال: فإنّي أحكم فيهم أن يقتل من جرت عليه المواسي، وتسبى النساء والذرية، وتقسم الأموال.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد حكمت بحكم اللَّه من فوق سبع أرقعة [ (1) ] .
,
فأمر بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد، والنساء والذرية إلى دار ابنة الحارث، وقد اختلف في اسمها، فقيل: كيّسة بنت الحارث بن كريز بن [ربيعة] [ (2) ] بن حبيب بن عبد شمس، وكانت تحت مسيلمة الكذاب، ثم خلف عليها عبد اللَّه بن عامر بن كريز، وأمر بأحمال التمر فنثرت على بني قريظة، فباتوا يكدمونها كدم الحمر [ (3) ] . وأمر بالسلاح والأثاث والمتاع والثياب فحمل، وبالإبل والغنم فتركت [ (4) ] هناك ترعى الشجر، ثم غدا صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة في يوم الخميس السابع من ذي الحجة والأسرى معه، وأتى إلى السوق، فأمر بخدود فخدت [ (5) ] ،
__________
[ (1) ] والأرقعة السموات.
[ (2) ] زيادة من نسب عبد اللَّه بن عامر بن كريز.
[ (3) ] الكدم: أثر العضّ (المعجم الوسيط) ج 2 ص 78 والحمر: جمع حمار.
[ (4) ] في (خ) «فبركت» .
[ (5) ] الخدود: جمع خد: كالأخدود وهو الحفرة (المعجم الوسيط) ج 1 ص) 220.
وحفر فيها هو وأصحابه، وجلس ومعه علية أصحابه، ودعا [ (1) ] برجال بني قريظة فكانوا يخرجون أرسالا تضرب أعناقهم.
,
ولما جيء بعدو اللَّه حيي بن أخطب [بن سعيه بن ثعلبة بن عبيد بن كعب ابن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن ناخوم من بني إسرائيل من سبط لاوي ابن يعقوب، ثم من ولد هارون بن عمران أخي موسى صلى اللَّه عليه] [ (2) ] ، قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألم يمكّن اللَّه منك يا عدو اللَّه؟ فقال: بلى!
واللَّه ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد التمست العزّ في مظانّه، وأبى اللَّه إلا أن يمكّنك مني، قلقلت كلّ مقلقل، ولكنه من يخذل اللَّه يخذل. ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس! لا بأس بأمر اللَّه، قدر وكتاب، ملحمة كتبت على بني إسرائيل! فأمر فضربت عنقه.
أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالإحسان إلى الأسرى
ثم أتى بعزّال [ (3) ] بن سموأل، ونباش بن قيس، فضربت أعناقهما، وقد جابذ [ (4) ] نباش الّذي جاء به، حتى قاتله ودق أنفه فأرعفه،
فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم للذي جاء به: لم صنعت به هذا؟ أما كان السيف كفاية! ثم قال: أحسنوا إسارهم، وقيّلوهم واسقوهم، لا تجمعوا عليهم حر الشمس وحرّ السلاح. وكان يوما صائفا، فقيّلوهم وسقوهم وأطعموهم، فلما أبردوا راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتل من بقي منهم.
,
وسألت أم المنذر سلمى بنت قيس بن عمرو بن عبيد بن مالك بن عدي
__________
[ (1) ] في (خ) «دعي» .
[ (2) ] في (خ) في مكان ما بين القوسين في نسب حي بنت أخطب: «بنرية بن عمرو بن الحارث بن وائل بن راشدة بن جزيلة بن نجم بن أشرس بن سهيت بن السكون وفيه خلط كثير، وما أثبتناه من (الاستيعاب) ج 13 ص 62 ترجمة صفية بنت حي رقم 3405 وانظر أيضا ترجمتها في (الإصابة) ج 13 ص 14 رقم 647.
[ (3) ] في (خ) «يغزل» .
[ (4) ] جابذ: من الجبذ وهو الجذب. وليس مقلوبة، بل لغة صحيحة (ترتيب القاموس) ج 2 ص 517.
ابن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رفعة بن سموأل فقال: هو لك؟ فأسلم.
,
وجاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر فقالا: يا رسول اللَّه، إن الأوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم. فقال سعد بن معاذ: ما كرهه من الأوس أحد فيه خير، فمن كرهه فلا أرضاه اللَّه. فقام أسيد بن حضير فقال: يا رسول اللَّه، لا تبقينّ دار من دور الأوس إلا فرقتهم فيها. ففرقهم في دور الأنصار فقتلوهم.
وضرب رسول اللَّه عنق كعب بن أسد بين يديه.
,
وأمر ببنانة امرأة الحكم القرظي- وهي من السبي- فقتلت، لأنها ألقت من حصن الزبير بن باطا رحّي [ (1) ] بإشارة زوجها على نفر من المسلمين كانوا يستظلون في فيئه، فشدخت رأس خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة ابن امرئ القيس بن مالك الأغر، فمات.
,
وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل كل من أنبت منهم، وترك من لم ينبت، وتمادى القتل فيهم إلى الليل فقتلوا على شعل السعف، ثم ردّ عليهم التراب في الخنادق.
وكان من شك فيه منهم أن يكون بلغ، نظر إلى مؤتزره: فإن كان أنبت قتل، وإلا ترك في السبي. وكانوا ستمائة، [وقيل: ما بين الستمائة إلى السبعمائة. وقيل:
كانوا سبعمائة وخمسين] ، ولما قتلوا صاحت نساءهم وشقّت جيوبها، ونشرت شعورها، وضربت خدودها، وملأت المدينة.
__________
[ (1) ] في (خ) بعد قوله «باطا» باقي الخير لم يظهر في التصوير الميكروفيلمي، وتمامه من (الواقدي) ج 2 ص 517.
,
وسأل ثابت بن قيس بن شماس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الزبير بن باطا فقال: هو لك.
فلم يرض بالحياة وطلب أن يلحقوه بأحبته، فضرب الزبير بن العوام عنقه.
وطلب ثابت بن قيس أهله وولده فردّوا إليه إلى الحلقة، فكانوا مع آل ثابت بن قيس.
,
وأمر بالمتاع فبيع في من يزيد، وبيع السبي، وقسمت النخل أسهما، وكانت الخيل ستا وثلاثين فرسا، فأسهم: للفرس سهمان، ولصاحبه سهم، وللراجل سهم. وقاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أفراس فلم يضرب إلا سهما واحدا. وأسهم لخلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو، وقد قتل تحت الحصن: طرحت عليه رحى، فشدخته شدخا شديدا. وأسهم لأبي سنان بن محصن [واسمه وهب بن عبد اللَّه، ويقال: عبد اللَّه بن وهب، ويقال: عامر، ولا يصحّ، ويقال: اسمه وهب بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وعلى هذا فهو أخو عكاشة بن محصن، وهو أصح ما قيل فيه. وبات ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحاصرهم، وكان يقاتل مع المسلمين. وكان المسلمون ثلاثة [ (2) ] آلاف، فكانت سهمان الخيل والرجال على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهما: للفرس سهمان ولصاحبه سهم. وأسهم يومئذ على الأموال فجزئت خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها للَّه، فخرجت السهمان، وكذلك الرثّة [ (3) ] والإبل والغنم والسبي،
__________
[ (1) ] في (خ) «ابن سعد» .
[ (2) ] في (خ) «ثلاثة، ثلاثة» مكررة.
[ (3) ] الرّثّة: رديء المتاع (المعجم الوسيط) ج 1 ص 328.
ثم فضّ أربعة أسهم على الناس.
ترك فيء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للنساء
وأخذ [ (1) ] فيء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النساء اللاتي حضرت القتال ولم يسهم لهن، وهن: صفية بنت عبد المطلب، وأم عمارة، وأم سليط، وأم العلاء الأنصارية، والسميراء بنت قيس الأنصارية، وأم سعد بن معاذ، وهي: كبشة بنت رافع بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج.
,
ولما بيعت السبايا والذرية بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بطائفة إلى الشام مع سعد بن عبادة [ (2) ] ، يبيعهم ويشتري بهم سلاحا وخيلا. واشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنهما طائفة. فكان يوجد عند العجائز المال ولا يوجد عند الشّواب، فربح عثمان مالا كثيرا لأنه صار في سهم العجائز. ويقال:
لما قسم صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل الشواب على حدة، والعجائز على حدة، وخيّر عبد الرحمن وعثمان فأخذ عثمان العجائز. واشترى أبو الشحم اليهودي امرأتين- مع كل واحدة ثلاثة أطفال- بخمسين ومائة دينار، وجعل يقول: ألستم على دين يهود؟ فتقول المرأتان: لا نفارق دين قومنا حتى نموت عليه، وهن يبكين. وكان السبي ألفا من النساء والصبيان، فأخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسه قبل بيع المغنم، فجزأ السبي خمسة أجزاء: فأخذ خمسا، فكان يعتق منه ويهب منه، ويخدم منه من أراد، وكذلك صنع بما أصاب من رثتهم: قسمت قبل أن تباع. وكذلك النخل عزل خمسة، وكل ذلك يسهم عليه خمسة أجزاء ويكتب في سهم منها [للَّه] [ (3) ] ، ثم يخرج السهم، فحيث طار سهمه أخذه ولم يتخير. وصار الخمس إلى محمية بن جزء الزّبيدي، وهو الّذي قسم المغنم بين المسلمين.
__________
[ (1) ] كذا في (خ) ، و (ط) ، وفي (الواقدي) ج 2 ص 522 «وأخذى» .
[ (2) ] كذا في (خ) وفي (الواقدي) ج 2 ص 523، وفي باقي كتب السيرة: «سعد بن زيد الأشهلي» .
[ (3) ] غير بينة في (خ) ، وأثبتناها من (الواقدي) ج 2 ص 523.
,
ونهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يفرّق في القسم والبيع بين النساء والذرية، وقال:
لا يفرّق بين الأم وولدها حتى يبلغوا، فقيل: يا رسول اللَّه! وما بلوغهم؟ قال:
تحيض الجارية ويحتلم الغلام.
وكان يفرق يومئذ بين الأختين إذا بلغتا، وبين الأم وابنتها إذا بلغت. وكانت الأم وولدها الصغار تباع من المشركين من العرب، ومن يهود المدينة وتيماء وخيبر، يخرجون بهم. وإذا كان الولد صغيرا ليس معه أم لم يبع من المشركين ولا من يهود إلا من المسلمين. فكانت أموال بني قريظة أول فيء وقع فيه السهمان والخمس.
موت سعد بن معاذ، وبكاء أمه، وحزن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على سعد ثم دفنه
ولما حكم سعد بن معاذ رضي اللَّه عنه في بني قريظة، رجع إلى خيمة رفيدة بنت سعد الأسلمية- وكان قد كوى جرحه بالنار فانتفخت يده، وسال الدم فحمّه أخرى فانتفخت يده، فسأل اللَّه أن يبقيه حتى يقاتل بني قريظة- فانفجر جرحه ومات بعد ما عاده النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فحمل إلى منزله. وغسّله الحارث بن أوس ابن معاذ، وأسيد بن حضير، وسلمة بن سلامة بن وقش بحضرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأم سعد تبكي وتقول:
[ويل أم سعد سعدا ... صرامة وحدّا
وسؤددا ومجدا ... وفارسا معدّا
سدّ به مسدّا ... يقدها ما قدّا] [ (1) ]
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كل البواكي يكذبن إلا أم سعد.
ثم كفّن في ثلاثة أثواب وحمل في سرير. فحمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [جنازته] [ (2) ] وهو بين عمودي سريره حتى رفع من داره إلى أن خرج، ومشى أمام جنازته، ثم صلى عليه ونزل في قبره أربعة نفر: الحارث بن أوس بن معاذ، وأسيد بن حضير، وأبو نائلة،
__________
[ (1) ] وردت هذه الندبة بروايات كثيرة في كتب السيرة، وما أثبتناه هو أجودها.
[ (2) ] الجنازة: سرير الميت أو الميت نفسه.
وسلمة بن سلامة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقف على قدميه على قبره.
ولما وضع في لحده تغير وجهه وسبح ثلاثا، فسبح المسلمون ثلاثا حتى ارتج البقيع [ (1) ] ، ثم كبر ثلاثا وكبر أصحابه حتى ارتج البقيع، فسئل عن ذلك فقال: تضايق على صاحبكم قبره، وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد، ثم فرّج اللَّه عنه.
وجاءت أم سعد تنظر إليه في اللحد وقالت: احتسبك عند اللَّه. وعزّاها [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على قبره. وجلس ناحية والمسلمون يردون تراب القبر حتى سوّي ورشّ الماء عليه، ثم وقف صلّى اللَّه عليه وسلّم فدعا، ثم انصرف.
,
وسار حسيل بن نويرة الأشجعي يومين حتى قدم خيبر، فأعلم سلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، ويهود بني النضير، ويهود خيبر بأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد قتل مقاتلة قريظة صبرا بالسيف، وسبي النساء والذرية، فقال سلام بن مشكم- وكانت له رئاسة بني النضير بعد يوم بعاث [ (3) ]-: هذا كله عمل حيي بن أخطب، لا قامت يهودية بالحجاز أبدا! وصاح نساؤهن وأقمن المآتم، وفزعت اليهود إلى سلام ليروا رأيه. فأشار عليهم يسيروا معه، ويهود تيماء وفدك ووادي القرى- ولا يجلبوا معهم أحدا من العرب- حتى يغزوا محمدا في عقر داره، فوافقوا على ذلك.
زواجه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب بنت جحش
وفي هذه السنة الخامسة تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب بنت جحش، في قول طائفة.
,
وخرج [صلّى اللَّه عليه وسلّم] إلى غزاة بنى قريظة من اليهود، يوم الأربعاء لسبع خلون من ذي الحجة، سنة خمس، فحصرهم خمسا وعشرين ليلة، وقيل:
خمسة عشر يوما، وقيل: شهرا، حتى نزلوا، فقتل المقاتلة، وسبى النساء والذّرية، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] .
[قال ابن إسحاق: فلما كانت الظهيرة أتى جبريل عليه السلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما حدثني الزرى، معتجرا [الاعتجار التعمم على الرأس فقط دون جوانب الوجه أو اللحية] بعمامة من إستبرق [ديباج غليظ حسن] على بغلة عليها رحالة [سرج] عليها قطيفة من ديباج، فقال: أوقد وضعت السلاح يا رسول اللَّه؟ قال: نعم، فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن اللَّه عزّ وجلّ يأمرك يا محمد بالمسير إلى بنى قريظة، فإنّي عامد إليهم فمزلزل بهم] [ (2) ] .
[فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مؤذنا، فأذن في الناس: من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة، وقدّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليّ بن أبى طالب برايته إلى بنى قريظة، وابتدرها الناس، فسار عليّ بن أبى طالب حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرجع حتى لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالطريق، فقال: يا رسول اللَّه، لا عليك أن تدنو من هؤلاء الأخابث، قال: لم؟ أظنك سمعت منهم لي أذى؟ قال: نعم يا رسول اللَّه، قال: لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا، فلما دنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة.
[ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 192- 212 مختصرا.
حصونهم قال: يا إخوان القردة، هل أخزاكم اللَّه وأنزل بكم نقمته؟ قالوا: يا أبا القاسم. ما كنت جهولا] [ (1) ] .
[ومرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنفر من أصحابه قبل أن يصل إلى بنى قريظة، قال:
هل مرّ بكم أحد؟ قالوا: يا رسول اللَّه قد مرّ بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة، عليها قطيفة دباج، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
ذلك جبريل بعث إلى بنى قريظة يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم، وحاصرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسا وعشرين ليلة، حتى جهدهم الحصار، وقذف اللَّه في قلوبهم الرعب] [ (1) ] .
[قال ابن هشام: حدثني بعض من أثق به من أهل العلم: أن على بن أبى طالب صاح وهم محاصرو بنى قريظة: يا كتيبة الإيمان، وتقدم هو والزبير بن العوام، وقال: واللَّه لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم،
فقالوا: يا محمد، ننزل على حكم سعد بن معاذ، ثم استنزلوا فحبسهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة في دار بنت الحارث، - امرأة من بنى النجار- ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى سوق المدينة، التي هي سوقها اليوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، ثم يخرج بهم أرسالا [طائفة بعد أخرى] وفيهم عدو اللَّه حيىّ بن أخطب، وكعب بن أسد رأس القوم، وهم ستمائة أو سبعمائة، والمكثر لهم يقول: كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة، وأتى بحييّ بن أخطب مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما نظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أما واللَّه ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل اللَّه يخذل، ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر اللَّه، كتاب وقدر، ملحمة كتبها اللَّه على بنى إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه، قال ابن إسحاق:] [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 912- 212 مختصرا.
[ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قسم أموال بنى قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأخرج منها الخمس، فعلى سنتها وما مضى من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها وقعت المقاسم، ومضت السنة في المغازي] [ (1) ] .
[ثم بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سعد بن زيد الأنصاري بسبي من سبايا بنى قريظة إلى نجد، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا] [ (1) ] .
[قال ابن إسحاق: فلما انقضى شأن بنى قريظة، انفجر بسعد بن معاذ جرحه، فمات منه شهيدا [ (1) ] .]
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 192- 212 مختصرا.