(ثم أسري) [ (2) ] برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بجسده- على الصحيح من قول صحابة- من المسجد الحرام إلى بيت المقدس راكبا البراق صحبة جبريل عليه سلام، فنزل ثم (أمّ) [ (3) ] بالأنبياء عليهم السلام ببيت المقدس فصلى بهم. ثم عرج تلك الليلة من هناك إلى السموات السبع ورأى بها الأنبياء على منازلهم، ثم عرج إلى سدرة المنتهى ورأى جبريل عليه السلام على الصورة التي خلقه اللَّه بها، وفرضت) [ (4) ] عليه الصلوات الخمس تلك الليلة.
وكان الإسراء في قول محمد بن شهاب الزّهري قبل الهجرة بثلاث سنين، قيل: بسنة واحدة، وقيل: وله من العمر إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر، قيل: كان الإسراء بين بيعتي الأنصار في العقبة، وقيل: كان بعد المبعث بخمسة عشر شهرا، وقال الحربي: كان ليلة سبعة وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة.
وعورض من قال: إنه كان قبل الهجرة بسنة، بأن خديجة صلت معه بلا خلاف، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، والصلاة إنما فرضت ليلة الإسراء، وأجيب بأن صلاة خديجة كانت غير المكتوبة، بدليل حديث مسلم [ (5) ] أنه صلى ببيت المقدس ركعتين قبل أن يعرج إلى السماء، فتبين أن الصلاة كانت مشروعة
__________
[ (1) ] زيادة يقتضيها التصويب. انظر ابن هشام ج 2 ص 24.
[ (2) ] بياض في (خ) والتكملة من (ط) .
[ (3) ] بياض في (خ) ، وما أثبتناه من (ط) ، وانظر (ابن هشام) ج 2 ص 33 «رواية الحسن لحديث الإسراء» .
[ (4) ] بياض في (خ) وانظر (ابن هشام) ج 2 ص 39 و (مسلم بشرح النووي) ج 2 ص 238.
[ (5) ] (صحيح مسلم بشرح النووي) ج 2 ص 209 باب الإسراء وفرض الصلوات.
في الجملة، كما كان قيام الليل واجبا قبل الإسراء بلا خلاف، وفي رواية عن الزهري: كان بعد المبعث.
ومما يقوي قول الحربي أنه عين الليلة من الشهر من السنة، فإذا تعارض خبران أحدهما فصّل القصة والآخر أجملها، ترجحت رواية من فصّل بأنه أوعى لها.
وقال ابن إسحاق: أسري برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل، ويقال كان ليلة السبت لسبع عشر خلت من رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم نائم في بيته ظهرا. وقيل: كان ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة من شعب أبي طالب، وكانت سنّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين الإسراء اثنتين وخمسين سنة [ (1) ] .
وقيل- وقد حكي عن حذيفة وعائشة ومعاوية رضي اللَّه عنهم-: إن الإسراء كان بروحه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: كان بجسده إلى بيت المقدس، ومن هناك إلى السموات بروحه. وقيل: أسري به وهو نائم في الحجر، وقيل: كان في بيت أم هانئ بنت أبي طالب، وفرضت الصلوات الخمس ركعتين ركعتين، وإنما كانت قبل الإسراء صلاة بالعشي، ثم صارت صلاة بالغداة وصلاة بالعشي ركعتين ركعتين.
فلم يرع برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس من صبيحة ليلة الإسراء فصلى به الظهر، ولهذا سميت الأولى، ثم صلى بقية الخمس في أوقاتها فصارت بعد الإسراء خمسا ركعتين ركعتين حتى أتمت أربعا بعد الهجرة إلى المدينة بشهر. وقد اختلف أهل العلم: هل رأى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه ليلة الإسراء أم لا؟ فلما أصبح صلّى اللَّه عليه وسلّم في قومه بمكة أخبرهم بما أراه اللَّه عز وجل من آياته، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم إياه واستضراؤهم عليه، وارتدّ جماعة ممن كان أسلم وسألوه أمارة، فأخبرهم بقدوم عير يوم الأربعاء، فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى كادت الشمس أن تغرب، فدعا اللَّه فحبس الشمس حتى قدموا كما وصف، قال ابن إسحاق: ولم تحبس الشمس إلا له ذلك اليوم وليوشع بن نون.
__________
[ (1) ] ذكر ابن الجوزي في (صفة الصفوة) ج 1 ص 108: «فلما أتت له إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر أسري به» .
,
[فقد] روى من حديث أنس، فتارة يرويه أنس عن مالك بن صعصعة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتارة يرويه عن أبى [ذرّ] عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتارة يرويه دون ذكرهما.
فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
فخرج مسلم من حديث حماد بن سلمة، [قال] حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضى اللَّه [تعالى] عنه [قال] : إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافرة عند منتهى طرفه، فركبته حتى أتيت بيت المقدس، [قال:] فربطته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام، بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل عليه السلام: اخترت الفطرة [ (1) ] .
__________
[ (1) ] «البراق» بضم الباء الموحدة، قال أهل اللغة: البراق اسم الدابة التي ركبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الإسراء. قال الزبيدي في (مختصر العين) ، وصاحب (التحرير) : هي دابة كانت الأنبياء صلوات اللَّه وسلام عليهم يركبونها. وهذا الّذي قالاه من اشتراك جميع الأنبياء فيها، يحتاج إلى نقل صحيح.
قال ابن دريد: اشتقاق البراق من البرق إن شاء اللَّه تعالى، يعنى لسرعته، وقيل: سمى بذلك لشدة صفائه، وتلألئه، وبريقه، وقيل: لكونه أبيض.
وقال القاضي: يحتمل أنه سمى بذلك لكونه ذا لونين، يقال: شاه برقاء إذا كان في خلال صوفها الأبيض طاقات سود. قال: ووصف في الحديث بأنه أبيض، وقد يكون من نوع الشاة البرقاء، وهي
قال: ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال:
جبريل، قيل: ومن معك، قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، قال: ففتح لنا، فإذا أنا بآدم عليه السلام، فرحّب بى، ودعا لي بخير [ (1) ] .
__________
[ () ] معدودة في البيض، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 2/ 569، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (259) .
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط به الأنبياء صلوات اللَّه عليهم»
أما بيت المقدس ففيه لغتان مشهورتان غاية الشهرة: إحداهما: بفتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال المخففة، والثانية: بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة.
قال الواحدي: أما من شدده فمعناه المطهر، وأما من خففه فقال أبو على الفارسي: لا يخلو إما أن يكون مصدرا، أو مكانا، فإن كان مصدرا كان كقوله تعالى: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ* ونحوه من المصادر، وإن كان مكانا فمعناه بيت المكان الّذي جعل فيه الطهارة، أو بيت مكان الطهارة، وتطهيره: إخلاؤه من الأصنام، وإبعاده منها. وقال الزجاج: البيت المقدس المطهر، وبيت المقدس أي المكان الّذي يطهر فيه من الذنوب. (المرجع السابق) .
قوله: صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فربطته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء»
الحلقة بإسكان اللام على اللغة الفصيحة المشهورة. وحكى الجوهري وغيره فتح اللام أيضا.
قال الجوهري: حكى يونس عن أبى عمرو بن العلاء حلقة بالفتح، وجمعها حلق وحلقات. وأما على لغة الإسكان فجمعها حلق وحلق بفتح الحاء وكسرها، والمراد حلقة باب مسجد بيت المقدس واللَّه أعلم. وفي ربط البراق الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطى الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في التوكل، إذا كان الاعتماد على اللَّه تعالى. (المرجع السابق) .
قوله: «اخترت الفطرة»
فسروا الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة، ومعناه واللَّه تعالى أعلم: اخترت علامة الإسلام، والاستقامة، وجعل اللبن علامة لكونه سهلا، طيبا، طاهرا، سائغا للشاربين، سليم العاقبة. أما الخمر فإنّها أم الخبائث، وجالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل. واللَّه تعالى أعلم.
(المرجع السابق) .
[ (1) ]
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل له: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه» .
أما
قوله: «عرج»
فبفتح العين والراء، أي صعد،
وقوله: «جبريل»
فيه بيان الأدب فيمن استأذن بدق الباب ونحوه، فقيل له:
«من أنت» ، فينبغي أن يقول: زيد، مثلا، إذا كان اسمه زيدا، ولا يقول: أنا، فقد جاء الحديث
[قال:] ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، [قيل] : وقد بعث إليه؟
قال: قد بعث إليه، قال: ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا، عليهما السلام، فرحبا بى، ودعوا لي بخير [ (1) ] .
ثم عرج [بنا] إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟
قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال محمد، [قيل:] وقد بعث إليه؟ قال:
قد بعث إليه، قال: ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف عليه السلام، [إذ] هو قد أعطى شطر الحسن، قال فرحب بى، ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا، قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قال: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب ودعا لي بخير، قال اللَّه [تبارك و] تعالى: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا.
__________
[ () ] بالنهى عنه، ولأنه لا فائدة فيه.
وأما قول بواب السماء: «وقد بعث إليه» فمراده: وقد بعث إليه للإسراء وصعود السماوات، وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة، فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة، فهذا هو الصحيح، واللَّه أعلم بمعناه.
ولم يذكر الخطابي في شرح البخاري وجماعة من العلماء غيره، وأن كان القاضي قد ذكر خلافا، أو أشار إلى خلاف في أنه استفهم عن أصل البعثة، أو عما ذكرته، قال القاضي: وفي هذا أن للسماء أبوابا حقيقية، وحفظة موكلين بها، وفيه إثبات الاستئذان. واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) .
[ (1) ]
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فإذا أنا بآدم فرحّب بى ودعا لي بخير» ثم قال في السماء الثانية: «فإذا أنا بابني الخالة، فرحبا بى ودعوا» ،
وذكر صلّى اللَّه عليه وسلّم في باقي الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم نحوه، فيه استحباب لقاء أهل الفضل بالبشر والترحيب، والكلام الحسن، والدعاء لهم، وإن كانوا أفضل من الداعي، وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب وغيره من أسباب الفتنة.
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فإذا أنا بابني الخالة» ،
قال الأزهري: قال ابن السكيت: يقال لهما: ابنا عم، ولا يقال: ابنا خال، ويقال: هما ابنا خالة، ولا يقال ابنا عمة.
ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال:
جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون عليه السلام، فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال:
جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى، عليه السلام، فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال:
جبريل، قيل: ومن معك، قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح، فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام، مسند ظهره إلى البيت المعمور [ (1) ] ، وإذا يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه.
ثم ذهب بى إلى السدرة المنتهى [ (2) ] ، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال [ (3) ] ، فلما غشيها اللَّه ما غشيها تغيرت، فما أحد من خلق اللَّه يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى إليّ ما أوحى، فعرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى عليه السلام، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإنّي قد بلوت بنى إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعت إلى ربى فقلت: [يا رب] ، خفف على أمتى،
__________
[ (1) ]
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فإذا أنا بإبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور» ،
قال القاضي: يستدل به على جواز الاستناد إلى القبلة وتحويل الظهر إليها.
[ (2) ] هكذا وقع في كل الأصول «السدرة» بالألف، وفي الروايات بعد هذا «سدرة المنتهى» . قال ابن عباس، والمفسرون، وغيرهم: سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهى إليها، ولم يجاوزها أحد إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وحكى عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه أنها سميت بذلك لكونها ينتهى إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر اللَّه تعالى. (المرجع السابق) .
[ (3) ] القلال بكسر القاف: جمع قلة، والقلة جرّة عظيمة تسع قريتين أو أكثر.
فحط عنى خمسا، فرجعت إلى موسى، فقلت: حط عنى خمسا، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فسله التخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربى [ (1) ] تبارك وتعالى، وبين موسى عليه السلام، حتى قال يا محمد، انهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها، كتبت له حسنة، فإن عملها، كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها، لم تكتب له شيئا، فإن عملها، كتبت له سيئة واحدة.
قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فقلت: قد رجعت إلى ربى حتى استحييت منه.
[وفي بعض الطرق: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم راجع، وخفف عنه في كل مراجعة، وفي أخرى: أنه خفف عنه أولا الشطر، ثم خفف عنه ثانيا تخفيفا واحدا إلى الخمس، فتكون المراجعة على هذا مرتين، وفي أخرى: أن التخفيف كان عشرا عشرا، إلى المرة الأخيرة، فكان التخفيف فيها خمسا، وبقيت هذه الخمس] [ (2) ] .
[والجمع بينهما أن يقال: لا تعارض، إنما فيه إجمال في بعضها، وتفصيل في الأخرى، لأن قوله فخفف عنى الشطر، أعم من كونه خففه مرة واحدة، أو في مرار متعددة، ولذا ذكر التفصيل والإجمال، وحمل الإجمال على التفصيل ولا تعارض. وللَّه الحمد] [ (2) ] .
[وأما الحديث الّذي رواه حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه، وفيه: فحط عنى خمسا، من أفراد مسلم، والّذي اتفقا عليه من حديث
__________
[ (1) ] معناه رجعت إلى الموضع الّذي ناجيته منه أولا، فناجيته فيه ثانيا، (المرجع السابق) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (خ) وأثبتناه من (ج) .
أنس، أنه حطّ عنه عشرا عشرا، وزعم ابن الجوزي: أن هذه الرواية التي فيها فحط عنى خمسا، غلط من الراويّ.] [ (1) ] .
وخرّج مسلم أيضا من حديث بهز [قال:] حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا [ثابت عن] أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه قال:] قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتيت فانطلقوا بى إلى زمزم، فشرح عن صدري، ثم غسل بماء زمزم، ثم أنزلت [ (2) ] .
ومن حديث حماد بن سلمة، [قال:] حدثنا ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه قال:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، ثم قال:
هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان إلى أمه- يعنى ظئره- فقالوا: إن
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (خ) وأثبتناه من (ج) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 573، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفرض الصلوات، حديث رقم (260) .
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت»
معنى «شرح» ، شقّ، كما قال في الرواية التي بعد هذه.
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ثم أنزلت»
هو بإسكان اللام وضم التاء، وهكذا ضبطناه، وكذا هو في جميع الأصول والنسخ، وكذا نقله القاضي عياض رحمه اللَّه تعالى عن جميع الروايات، وفي معناه خفاء، واختلاف.
قال القاضي: قال الوقشى: هذا وهم من الرواة وصوا به «تركت فتصحف» . قال القاضي: فسألت عنه ابن السراج فقال: أنزلت في اللغة بمعنى تركت صحيح، وليس فيه تصحيف.
قال القاضي: وظهر لي أنه صحيح بالمعنى المعروف في أنزلت، فهو ضد رفعت، لأنه قال: انطلقوا بى إلى زمزم ثم أنزلت، أي ثم صرفت إلى موضعي الّذي حملت منه.
قال: ولم أزل أبحث عنه حتى وقعت على الجلاء فيه من رواية الحافظ أبى بكر البرقاني، وأنه طرف حديث، وتمامه «ثم أنزلت على طست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا» هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه اللَّه تعالى (المرجع السابق) .
ومقتضى رواية البرقاني أن يضبط أنزلت بفتح اللام وإسكان التاء، وكذلك ضبطناه في الجمع بين الصحيحين للحميدي، وحكى الحميدي هذه الزيادة المذكورة عن رواية البرقاني وزاد عليها.
(المرجع السابق) .
محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس رضى اللَّه عنه: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] .
وخرّج أيضا من حديث ابن وهب، قال: أخبرنى سليمان بن بلال قال:
[حدثني] شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر قال: سمعت أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، يحدثنا عن ليلة أسرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسجد الكعبة، أن جاءه ثلاثة نفر قبل أن [يوحى] إليه، وهو نائم في المسجد
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (261) .
قوله: «ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه» أما الطّست: فبفتح الطاء وإسكان السين المهملتين، وهي إناء معروف، وهي مؤنثة، قال: وحكى القاضي عياض كسر الطاء لغة، والمشهور الفتح كما ذكرنا، ويقال فيها: طسّ بتشديد السين وحذف التاء، وطسّة أيضا، وجمعها طساس، وطسوس، وطسات. (المرجع السابق) .
وأما «لأمه» فبفتح اللام وبعدها همزة، على وزن ضربه، وفيه لغة أخرى: لاءمه بالمد، على وزن آذنه، ومعناه: جمعه، وضمّ بعضه إلى بعضه، وليس في هذا ما يوهم جواز استعمال إناء الذهب لنا، فإن هذا فعل الملائكة واستعمالهم، وليس باللازم أن يكون حكمهم حكمنا، ولأنه كان أول الأمر، قبل تحريم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أواني الذهب والفضة. (المرجع السابق) .
قوله: «يعنى ظئره» هي بكسر الظاء المعجمة بعدها همزة ساكنة، وهي المرضعة [من غير الأم الوالدة] ، ويقال أيضا لزوج المرضعة ظئر. قوله: «فاستقبلوه وهو منتقع اللون» هو بالقاف المفتوحة أي متغير اللون، قال أهل اللغة: امتقع لونه، فهو ممتقع، وابتقع بالباء فهو مبتقع، فيه ثلاث لغات، والقاف مفتوحة فيهن.
قال الجوهري وغيره: والميم أفصحهنّ، ونقل الجوهري اللغات الثلاث عن الكسائي، قال: ومعناه تغير من حزن أو فزع.
وقال الهروي في (الغريبين) ، في تفسير هذا الحديث: يقال: انتقع لونه، وانتقع، وامتقع، واستقع، وانتسف وانتشف- بالسين والشين- والتمع، والتمغ- بالعين والغين- وابتسر، والتهم، (المرجع السابق) .
قوله: «كنت أرى أثر المخيط في صدره» هو بكسر الميم وإسكان الخاء وفتح الياء، وهي الإبرة.
وفي هذا دليل على جواز نظر الرجل إلى صدر الرجل، ولا خلاف في جوازه، إلا أن ينظر بشهوة فإنه يحرم، إلا الزوج لزوجته ومملوكته إلا أن يكون لحاجة البيع والشراء، والتطبيب والتعليم ونحوهما، واللَّه تعالى أعلم (المرجع السابق) مختصرا.
الحرام ... وساق الحديث بقصته، نحو حديث ثابت البناني، [وقدّم] فيه شيئا وأخر، وزاد ونقص. هكذا قال مسلم [ (1) ] .
وخرّجه البخاري من حديث سليمان عن شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر قال: سمعت أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، يحدثنا عن ليلة أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسجد الكعبة، جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام فقال [أولهم] : أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، أو قال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك، فلم يرهم حتى جاءوا ليلة أخرى في ما يرى قلبه، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نائمة عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فتولاه جبريل عليه السلام ثم عرج به إلى السماء.. هذا الّذي ذكره البخاري من هذا الحديث، وذكره في كتاب المناقب، وترجم عليه باب: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تنام عيناه ولا [ينام قلبه] [ (2) ] .
وخرّجه في كتاب التوحيد، في باب: وكلم اللَّه موسى تكليما بهذا السند، ولفظة: سمعت ابن مالك يقول: ليلة أسرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسجد الكعبة، أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: [هو خيرهم] ، [فقال] أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، [فيما] يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء عليهم السلام، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند [بئر] زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبّته، حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقى جوفه،
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 575 كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (262) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 718- 719، كتاب المناقب، باب (24) كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تنام عينه ولا ينام قلبه، حديث رقم (3570) .
ثم أتى [بطست] من ذهب، فيه تور من ذهب، محشورا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده- يعنى عروق حلقه- ثم أطبقه.
ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: [معى محمد] قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء ما يريد اللَّه به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك، فسلّم عليه فسلم عليه وردّ عليه آدم وقال: مرحبا وأهلا يا بنىّ، نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، قال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء، فإذا بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده، فإذا هو مسك أذفر، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الّذي خبّأ لك ربّك.
ثم عرج به إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى:
من هذا؟ قال جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به وأهلا.
ثم عرج إلى السماء الثالثة، وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فقالوا له مثل ذلك.
كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فوعيت، منهم: إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة، لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة، بفضل كلامه للَّه، فقال موسى: ربّ لم أظنّ أن ترفع عليّ أحدا، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا اللَّه، حتى
جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة، فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللَّه فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة.
ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلى خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار [عليه] جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى فقال وهو مكانه: [يا رب] خفف عنا، فإن أمتى لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه، حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمد، واللَّه لقد راودت بنى إسرائيل قومي على أدنى من هذا، فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجسادا، وقلوبا، وأبدانا، وأبصارا، وأسماعا، فارجع [فليخفف] عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل.
فرفعه عند الخامسة، فقال: [يا رب] ، إن أمتى ضعفاء أجسادهم، وقلوبهم، وأسماعهم، وأبدانهم، فخفف عنا، فقال الجبار: يا محمد، قال:
لبيك وسعديك، [قال] : إنه لا يبدل القول لدىّ، كما فرضت عليك في أم الكتاب، قال: فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهن خمس عليك.
فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفّف عنّا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها، قال موسى: قد واللَّه راودت بنى إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا، قال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا موسى! قد واللَّه استحييت من ربى مما اختلفت إليه، قال: فاهبط باسم اللَّه، قال: واستيقظ وهو في المسجد الحرام [ (1) ] .
وقد انتقد الحافظ أبو محمد أحمد بن على بن حزم، رحمه اللَّه [تعالى] ، حديث شريك هذا فقال: وما وجدنا للبخاريّ ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا حديثين، لكل واحد منهما حديث، ثم عليه في تخريجه الوهم، مع اتفاقهما، وحفظهما، وصحة معرفتهما،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 584- 585، كتاب التوحيد، باب (37) ما جاء في قوله اللَّه عز وجل:
وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، حديث رقم (7517) ، قوله: «فاستيقظ وهو في المسجد الحرام» ، قال القرطبي: يحتمل أن يكون استيقاظا من نومة نامها بعد الإسراء، لأن إسراءه لم يكن طول ليلته، وإنما كان في بعضها، ويحتمل أن يكون المعنى أفقت مما كنت فيه مما خامر باطنه من مشاهده الملأ الأعلى، لقوله تعالى: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، فلم يرجع إلى حال بشريتة صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا وهو بالمسجد الحرام.
وأما
قوله في أوله: «بينا أنا نائم» ،
فمراده في أول القصة وذلك أنه كان قد ابتدأ نومه فأتاه الملك فأيقظه.
وفي
قوله في الرواية الأخرى: «بينا أنا بين النائم واليقظان أتانى الملك»
إشارة إلى أنه لم يكن استحكم في نومه.
وهذا كله يبنى على توحيد القصة. وإلا فمتى حملت على التعدد، بأن كان المعراج مرة في المنام وأخرى في اليقظة، فلا يحتاج ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: قيل: اختص موسى عليه السلام بهذا دون غيره ممن لقيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الإسراء من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنه أول من تلقاه عند الهبوط، ولأن أمته أكثر من أمة غيره، ولأن كتابه أكبر الكتب المنزلة قبل القرآن وتشريعا وأحكاما، أو لأن أمة موسى كانوا كلفوا من الصلاة ما ثقل عليهم. فخاف على أمة محمد مثل ذلك، وإليه الإشارة بقوله: «فإنّي بلوت بنى إسرائيل» ، قاله القرطبي.
وأما قول من قال: إنه أول من لاقاه بعد الهبوط فليس بصحيح، لأن حديث مالك بن صعصعة أقوى من هذا، وفيه: أنه لقيه في السماء السادسة.
وإذا جمعنا بينهما بأنه لقيه في الصعود في السادسة، وصعد موسى إلى السابعة، فلقيه فيها بعد الهبوط ارتفع الإشكال، وبطل الرد المذكور، واللَّه تعالى أعلم. (فتح الباري) .
ثم ذكر هذا الحديث. وقال عقيبة: فهذه ألفاظ معجمة بلا شك، والآفة من شريك من ذلك.
[وأما] قوله: إن ذلك كان قبل أن يوحى إليه، وأنه حينئذ فرضت عليه الخمسون صلاة، وهذا بلا خلاف بين أحد من أهل العلم، إنما كان قبل الهجرة بسنة، وبعد أن أوحى إليه بنحو اثنتي عشرة سنة.
ثم قوله: إن الجبار دنا فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، وعائشة أم المؤمنين رضى اللَّه عنها، تروى أن الّذي دنا فتدلى، جبريل عليه السلام.
قال الحافظ محمد بن طاهر المقدسي، رحمه اللَّه، في مسألة الانتصار لإمامى الأمصار، رحمهما اللَّه [تعالى] : ورأيت لأبى عبد اللَّه الحميدي بخط يده: ذكرت للقاضي الفقيه- أطال اللَّه [تعالى] مدته، وقرن بالسلامة أوبته- حديثين يتبعهما الحافظ على رواتهما، وأخرجت في الصحيح على ذلك لغرض لعله وقع لمخرجهما، وأردت أن أبين لك الحديثين، لتقف عليهما، وتعرضهما على من ربما وجد مخرجا لهما، وذكر الحديثين بلفظ ابن حزم، ثم قال عقبيهما: وقد عرضت هذا الاعتراض الّذي رأيته لبعض الحفاظ، على جماعة من المتحققين بعلم الحديث، فكلهم تحيّر في وجه المخرج في ذلك، وذكر لي أن لأبى سليمان الخطابي في ذلك كلاما، ذكره في كتاب (أعلام الحديث) ، الّذي [ألفه] في شرح معاني كتاب (الجامع الصحيح) ، وذكر كلام أبى سليمان على حديث شريك.
قال ابن طاهر: [و] الحميدي سلك طريق أستاذه في التحريف، [لأنه] نسب البخاريّ ومسلما، إلى أنهما أخرجا هذين الحديثين لغرض وقع لهما، مع العلم بعلتهما، وهذا ارتكاب كبيرة في حقهما، فإنّهما معروفان
بالإنصاف، غير متعصبين لفرقة، لم يسلكا في تصنيفهما ما سلكه المصنفون قبلهما أو بعدهما، من نصرة مذهب واحد، وإنما نصرا الصحيح وأخرجاه، ولذلك رفع اللَّه عزّ وجل كتابيهما، وجعلهما حجة بين المسلمين، لما علم من صدق نيتهما في ذلك، ولو سلكا طريق التعصب، لخرجا عن حيّز التحكيم، لأن شرط الحكم أن ينصف بين الخمصين، ورأينا الفرق قاطبة تحتج بما أخرجاه، [ويلتزم] الخصم ذلك من خصمه، فصح بذلك ما قلناه.
قال جامعه ومؤلفه [عفى اللَّه عنه] : في كلام ابن طاهر هذا تحامل على الحميدي، فإنه لم يرد قط أن البخاريّ ومسلما، خرجا الحديثين لغرض سيئ، لكن أعلم أنهما- ومكانهما من العلم مكانهما- أخرجا ذلك مع ما فيهما [مما] ينتقد، لشيء من الأشياء قصداه، لا أنهما خفي عليهما ما ظهر لغيرهما، والحميدي لا يخفى عليه البتة شيء مما ذكره ابن طاهر، من جميل مقصد البخاري ومسلم فيما أخرجاه في صحيحيهما، واللَّه تعالى الموفق.
قال ابن طاهر: إن كلامه في شريك، شيء لم يسبقه إليه أحد من أئمة الجرح والتعديل، بل قبلوه، ووثقوه، ورووا عنه، وأدخلوا حديثه في تصانيفهم، واحتجوا به، ثم ذكر عن يحيى بن معين أنه قال عنه: ليس به بأس، وذكر عن ابن [عدي] أنه قال: شريك رجل مشهور من أهل المدينة، حدّث عنه مالك وغيره من الثقات، وحديثه إذا روى عن نفسه فإنه لا بأس بروايته، إلا أن يروى عن ضعيف، ثم قال: فحكم ابن عدىّ، أن الآفة إنما تأتينا من الراويّ عنه، والراويّ عنه هذا الحديث سليمان بن بلال، أحد ثقات أهل المدينة، ومن عدّله مالك فمن بعده من الأئمة، لا يسمع فيه قول المتأخر بحال، فلما ثبتت عدالته، خرج عما قاله ابن حزم، وأن الآفة ليست
من شأنه، ويقول: إنّ الوهم في قوله: «وذلك قبل أن يوحى إليه» صحيح، وبالوهم لا يسقط حديث المحدّث الثقة الحافظ، على أن هذا الوهم قديم على من روى عنه هذا الحديث إلى عصر ابن حزم، ولم يستدركه أحد وقد قال يحيى بن معين: لو تركنا أحدا لكثرة غلطه، لتركنا حديث عيسى ابن يونس، على أن هذا الوهم ليس فيه ارتكاب كبيرة يترك لأجلها حديثه، وإنما هو وهم في التاريخ، ولو ترك حديث من وهم في تاريخ، لترك جماعة من أئمة المسلمين لاختلافهم في التواريخ في [الوفيات] وغيرها، ولعله أراد أن يقول: وذلك بعد أن أوحى إليه بنحو من كذا، فقال: وذلك قبل أن يوحى إليه، جريان اللسان، وهذا الوهم على الحقيقة، إنما يأتى من جهة ثلاثة: إما أنس رضى اللَّه عنه، وإمّا شريك، وإمّا سليمان، فلم خصّه من بينهم بهذا الوهم؟ فدلّ جميع ذلك عن أن كلامه في شريك لا وجه له. وأما احتجاجه بقول عائشة رضى اللَّه عنها، فذكره ابن طاهر من طريق أبى بكر بن أبى شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن زكريا بن أشوع، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة [رضى اللَّه عنها قالت:] قلت [لها] : دَنا فَتَدَلَّى، قالت: ذاك جبريل [عليه السلام] ، ثم قال: وهذا حديث مخرج في الصحيحين من حديث أبى أسامة، وحماد بن سلمة، عن زكريا بن أبى زائدة، ويعد في أفراد زكريا، عن سعيد بن عمرو بن أشوع.
والحديث موقوف على عائشة [رضى اللَّه عنها] لم يتجاوز به غيرها، فيكون مع اتفاقه والتفرد الّذي في إسناده، قول واحد من الصحابة، [رضى اللَّه عنهم] والكلام عليه من وجهين:
أحدهما: أن قولها يدل على [أن] الموحى جبريل [عليه الصلاة والسلام] ، وأجمعت الأمة على [أن] الموحى هو اللَّه عز وجل، لقوله [تبارك] وتعالى: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
والوجه الثاني: خلاف أنس وعبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما، أما حديث أنس، فقد تقدم من حديث شريك، المخرّج في الصحيحين، وأما حديث ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، فذكره ابن طاهر من طريق أبى القاسم البغوي، [قال:] حدثنا سعيد [بن] يحيى الأموي، قال: حدثني أبى، حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبى سلمة، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] ، في قول اللَّه عز وجل: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، قال: فدنا ربه عزّ وجل [منه] ، فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، قال: قال ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] : ورواه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال ابن طاهر: وهذا إسناد متصل، ورجاله ثقات، وهو من أصح الروايات في التفسير، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] .
ورواه عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، وأخرج من حديثه في كتاب البخاري، ثم ذكر أيضا من حديث الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدثنا على بن مسلم، حدثنا سفيان عن عمر، وعن عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، قال:
هي رؤيا عين رآها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسرى به، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ قال: شجرة الزقوم.
وأخرجه البخاري في صحيحه، عن على بن [المديني] ، والحميدي عبد اللَّه بن الزبير، كليهما عن سفيان بن عيينة، هذا في التفسير، والقدر، والبعث، ثم ذكر أيضا من طريق أبى القاسم البغوي، حدثنا زيد بن أخرم، حدثنا عبد اللَّه بن داود، عن الأعمش، عن عبد الملك بن ميسرة، عن طاووس قال: أدركت خمسين أو سبعين من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذا سئلوا عن شيء فخالفوا ابن عباس، لم يقوموا حتى يقولوا: هو كما قلت،
أو صدقت.
وقد سئل الإمام أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ عن معنى هذا الحديث- يعنى قول عائشة رضى اللَّه عنها: من حدثك أن محمدا [صلّى اللَّه عليه وسلّم] رأى ربه؟ - فقال: معناه في الدنيا، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حيث عرج به، صار إلى الآخرة، فلما صحّ الإسناد إلى هذين الصحابيين، كان الرجوع إلى قولهما أولى بلا خلاف بين أئمة المحدثين وهو ظاهر الآية، فلا يترك الظاهر مع قوليهما، ويرجع إلى قول من فسّر القرآن على حسب رأيه ومراده، وتأويل من تأوله، على وفق مذهبه واجتهاده [وبذلك صح] ما رسمناه، وأن البخاري ومسلما في تخريجهما هذا الحديث مصيبان، وأن المعترض عليهما دخل عليه الوهم في نقده عليهما، لأنه وإن كان إماما مفتيا في علوم شتى، إلا أن كلامه على هذا الحديث يدل على أنه لم يسلك طريق الحفاظ في تعليل الحديث.
وذلك أن الحفّاظ النقّاد، إنما يعللون الحديث من طريق الإسناد، الّذي هو المرقاة إليه، وهذا الرجل علل من حيث اللفظ، ولم يقف على أن لهذا اللفظ متابعات مع صحة النقل إليهما، والدليل على ذلك، أنه لو شرع في تعليله من طريق الإسناد، لوجد طريقا إلى ذلك، لاختلاف الرواة على أنس في إيراد هذا الحديث، على أن الجواب عن الاختلاف إن اعترض عليه معترض من أهل الصنعة، هو أن هذا الحديث رواه عن أنس أربعة من ثقات التابعين، فسلك كل رجل منهم في إيراده غير طريق صاحبه.
[وروى] أبو بكر محمد بن مسلم الزهري، عن أنس، عن أبى ذر جندب بن جنادة، وتابع عقيلا- يعنى في روايته- عن ابن شهاب يونس ابن يزيد الإملي، وعنه مخرّج في الصحيحين، ورواه أبو خطاب قتادة بن دعامة السدوسي، عن أنس [بن] مالك، عن مالك بن صعصعة الأنصاري.
وهذا الحديث أخرجه البخاري من كتابه في أربعة مواضع، عن هدبة بن خالد، وتابع قتادة على روايته عن أنس عباد بن على. هكذا ذكره البخاري في بعض الروايات عنه.
وروى أبو محمد ثابت بن أسلم البناني، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم متصلا، ولم يذكر بينهما أحدا، ورواه أبو عبد اللَّه شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر الليثي، عن أنس رضى اللَّه عنه، موقوفا عليه، ثم صح النقل إلى كل واحد منهم، مع حفظهم وإتقانهم، فاحتجنا أن نطلب لهذا الاختلاف وجها، إذ ليس في بعض الأسانيد من يحمل عليه، فيسقط من طريق الترجيح.
فلم يبق إلا أن نقول: هذه قصة جرت بمكة، لم يحضرها أنس [رضى اللَّه عنه] ، وإنما [سمعها] من غيره، سمعها أولا من أبى ذر، ومالك بن صعصعة، ثم سمعها من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والدليل على ذلك: أنا رأيناه سمع أحاديث من صحابى، ثم رواها عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذلك في روايته عن عبادة ابن الصامت، مشهور عند أهل الحديث.
ثم ذكر ابن طاهر من طريق البغوي، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: حدثني محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك [قال:] فقدمت المدينة، فلقيت عتبانا فقلت: حديث بلغني عنك، قال: أصابنى في بصرى بعض الشيء، فذكر الحديث بطوله، فأنس رضى اللَّه عنه سمع هذا الحديث من محمود بن الربيع، وهو أصغر منه، ولم يقتصر على قوله، حتى رحل إلى المدينة، فسمعه من عتبان، على أن هذا الحديث الّذي رحل لأجله، وسمعه من غيره، لا يقاوم حديث الإسراء في الجلالة والشهرة، فتحققنا أنه سمعه بعد ذلك من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والدليل عليه، رواية جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه
عنهما] ، وغيره لهذا الحديث، ممن لم يحضر القصة.
ثم ذكر حديث ابن وهب: حدثني يونس بن يزيد قال: قال ابن شهاب:
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لما كذبتني قريش، قمت في الحجر، فجلى اللَّه عز وجل لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا انظر إليه.
ورواه عقيل، ومعمر، وابن أخى الزهري، عن الزهري كذلك
[ومفاده] أن [جابرا] [رضى اللَّه عنه] لم يحضر هذه القصة، فإن قيل: فما السبب في هذا التفصيل؟ ولم لم يجمع بينهما وبين روايته، أو يقتصر على بعضها، إما على قول أحدهما أو على ما سمعه هو؟.
الجواب أنه رضى اللَّه عنه أراد أن يؤدى عن كل واحد ما سمعه منه، ويفصل حديثه من حديثهم، لأن الجمع بين هذه الثلاثة يصعب، لما فيه من تقديم وتأخير، وزيادة ونقصان، أو لعله ذكر حديث مالك عقيب حديث إلى ذر [رضى اللَّه عنه] ، أو حديث أبى ذر عقيب حديث مالك، ثم ذكر حديثه بعدهما، فحمل كل واحد من الرواة ما حدثه به من الطرق، واقتصر على إيراده منها، لما قدمنا من صعوبة الجمع بين الطرق.
والدليل على هذا: أن قتادة وثابتا من كبار أصحابه البصريين، حافظان متقنان جليلان، كانا في عصر واحد، ومصر واحد، نقل قتادة عنه عن مالك بن صعصعة، ونقل ثابت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فعلم بذلك ما قلناه.
ثم ذكر عن أبى محمد عبد الرحمن بن أبى حاتم قال: سألت أبى عن حديث رواه الزهري عن أنس، عن أبى ذر [رضى اللَّه عنهما] في المعراج، ورواه قتادة عن أنس، عن مالك بن صعصعة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقيل لأبى:
أيهما أشبه؟ قال: أنا لا أعدل بالزهري أحدا من أهل عصره، ثم قال: إني
لأرجو أن يكونا جميعا صحيحين.
قال ابن طاهر: وأما الكلام على إيقاف شريك للحديث، فإن الشيخ: أبا سليمان الخطابي- رحمه اللَّه تعالى- أشار إلى تعليل هذا الحديث من وجهين، أحدهما: إيقاف شريك له، والثاني: تفرده بهذه الزيادة، والجواب: أن هذا الحديث من طريق شريك، وإن كان موقوفا من حيث الحقيقة، مسندا لأنه قد روي من غير وجه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، يزيده بيانا طريق ثابت المتصل.
وأما الجواب عن زيادته: فلا خلاف بين أهل الصّنعة، أن الزيادة من الثقة مقبولة، وقد صححنا ثقته مع متابعة ابن عباس رضي اللَّه [عنهما] له على روايته.
واعلم أن إنكارهما لم يصدر عن معرفة صحيحة بعلم الحديث وصناعته، إنما ورد من جهة أخرى، وهي أنهما استبشعا هذه اللفظة وأنكراها، ولم يجدا طريقا إلى رفعها إلا من هذا الوجه الّذي انتقص عليهما، ثم إن القرآن والسنة، غير خاليين من هذا النوع، وأخبار الصفات غير عارية من مثل هذا الفن الّذي أنكراه، على أنهما ممن يثبت الصفات ويؤمن بها. انتهى كلام ابن طاهر، وفيه ما يقبل، وما ينتقد.
وأما [ما رواه قتادة عن أنس بن مالك عن صعصعة [بن مالك] ، رضي اللَّه عنهما، فخرجه البخاري في كتاب [مناقب الأنصار] [ (1) ] من حديث همام [عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه] عن مالك بن صعصعة [قال] : أن [نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حدثه]
__________
[ (1) ] في (الأصلين) : في كتاب مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والصواب ما أثبتناه، وسياق أول هذه الفقرة مضطرب في (الأصلين) .
عن ليلة أسري به قال: بينما أنا في الحطيم- وربما قال: في الحجر- مضطجعا، إذا أتاني آت، فقد- قال: وسمعته يقول:
فشق- ما بين هذه إلى هذه، فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول: من قصّه إلى شعرته، فاستخرج قلبي، ثم أتيت [بطست] من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة، قال أنس [رضي اللَّه عنه] : نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال:
محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، فإذا فيها آدم [عليه السلام] فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح.
ثم صعد حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟
قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، إذا يحيى وعيسى [عليهما السلام] وهما ابنا خالة، قال:
هذا يحيى وعيسى، فسلم عليهما، فسلمت، فردّا، ثم قالا:
مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح.
ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح، قيل: من هذا؟
قال: جبريل، قيل ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح لنا، فلما خلصت، إذا يوسف، قال: هذا يوسف، فسلم عليه، فسلمت عليه، فردّ ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت فإذا إدريس [عليه السلام] ، قال: هذا إدريس، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا هارون [عليه السلام] ، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا موسى، قال: هذا موسى، فسلم عليه [فسلمت عليه] فردّ ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما جاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي، يدخل الجنة من أمته، أكثر مما يدخلها من أمتي.
ثم صعد بي إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم قال: مرحبا به، ونعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلم عليه، قال: فسلمت عليه، فردّ السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح.
ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا
ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار، نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان، فنهران في الجنة، وأما ال